آيات من القرآن الكريم

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ

حديث أسماء بنت أبي بكر، وحديث جابر بن عبد الله: كنا نأكل الخيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: والبغال والحمير مكروهة عند الجمهور، وهو تحقيق مذهب مالك، ومن حجة من ألحق الخيل بالبغال والحمير في الكراهية القياس، إذ قد تشابهت وفارقت الأنعام في أنها لا تجتر، وأنها ذوات حوافر، وأنها لا أكراش لها، وأنها متداخلة في النسل، إذ البغال بين الحمير والخيل فهذا من جهة النظر، وأما من جهة الشرع بأن قرنت في هذه الآية وأسقطت فيها الزكاة، وقوله وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ الآية، هذا أيضا من أجل نعم الله تعالى، أي على الله تقويم طريق الهدى وتبيينه، وذلك نصب الأدلة وبعث الرسل وإلى هذا ذهب المتأولون، ويحتمل أن يكون المعنى أن مرسلك السبيل القاصد فعلى الله ورحمته وتنعيمه طريقه وإلى ذلك مصيره، فيكون هذا مثل قوله تعالى هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [الحجر: ٤١] وضد قول النبي ﷺ «والشر ليس إليك» أي لا يفضي إلى رحمتك، وطريق قاصد معناه بين مستقيم، ومنه قول الآخر:
فصد عن نهج الطريق القاصد
والألف واللام في السَّبِيلِ للعهد، وهي سبيل الشرع، وليست للجنس، ولو كانت للجنس لم يكن فيها جائر، وقوله وَمِنْها جائِرٌ يريد طريق اليهود والنصارى وغيرهم كعبدة الأصنام، والضمير في مِنْها يعود على السَّبِيلِ التي تضمنها معنى الآية، كأنه قال: ومن السبيل جائر، فأعاد عليها وإن كان لم يجر له ذكر لتضمن لفظة السَّبِيلِ بالمعنى لها، ويحتمل أن يعود الضمير في مِنْها على سبيل الشرع المذكورة وتكون «من» للتبعيض ويكون المراد فرق الضلالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كأنه قال ومن بنيات الطرف في هذه السبيل ومن شعبها جائر، وقوله وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ معناه لخلق الهداية في قلوب جميعكم ولم يضل أحد، وقال الزجاج معناه لو شاء لعرض عليكم آية تضطركم إلى الإيمان والاهتداء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول سوء لأهل البدع الذين يرون أن الله لا يخلق أفعال العباد لم يحصله الزجاج، ووقع فيه رحمه الله عن غير قصد، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «ومنكم جائر»، وقرأ علي بن أبي طالب «فعنكم جائر»، والسَّبِيلِ تذكر وتؤنث.
قوله عز وجل:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠ الى ١٢]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢)
هذا تعديد نعمة الله في المطر، وقوله وَمِنْهُ شَجَرٌ أي يكون منه بالتدريج، إذ يسقي الأرض فينبت

صفحة رقم 381

عن ذلك السقي الشجر، وهذا من التجوز، كقول الشاعر: [الرجز] أسنمة الآبال في ربابه وكما سمى الآخر العشب سماء، في قوله: [الوافر]

إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
قال أبو إسحاق: يقال لكل ما نبت على الأرض شجر، وقال عكرمة لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت يعني الكلأ. وتُسِيمُونَ معناه ترعون أنعامكم وسومها من الرعي وتسرحونها، ويقال للأنعام السائمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفي سائمة الغنم الزكاة، يقال أسام الرجل ماشيته إسامة إذا أرسلها ترعى، وسومها أيضا وسامت هي، ومن ذلك قول الأعشى:
ومشى القوم بالأنعام إلى الرّو حى وأعيى المسيم أين المساق
ومنه قول الآخر: [الكامل]
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله أولى لك ابن مسيمة الأجمال
أي راعية للأجمال وفسر المتأولون بترعون، وقرأ الجمهور «ينبت» بالياء على معنى ينبت الله، يقال نبت الشجر وأنبته الله، وروي أنبت الشجر بمعنى نبت، وكان الأصمعي يأبى ذلك ويتمم قصيدة زهير التي فيها: حتى إذا أنبت البقل، وقرأ أبو بكر عن عاصم، «ننبت» بنون العظمة، وخص عز وجل ذكر هذه الأربعة لأنها أشرف ما ينبت وأجمعها للمنافع، ثم عم بقوله مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، ثم أحال القول على الفكرة في تصاريف النبات والأشجار وهي موضع عبر في ألوانها واطراد خلقها وتناسب ألطافها، فسبحان الخلاق العليم. وقوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ الآية، قرأ الجمهور بإعمال سَخَّرَ في جميع ما ذكر ونصب «مسخرات» على الحال المؤكدة، كما قال تعالى: هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً [فاطر: ٣١] وكما قال الشاعر: [البسيط] أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ونحو هذا وقرأ ابن عامر «والشمس والقمر والنجوم مسخرات» برفع هذا كله، وقرأ حفص عن عاصم «والنجوم مسخرات بأمره» بالرفع ونصب ما قبل ذلك، والمعنى في هذه الآية أن هذه المخلوقات مسخرات على رتبة قد استمر بها انتفاع البشر من السكون بالليل والسعي في المعايش وغير ذلك بالنهار، وأما منافع الشمس والقمر فأكثر من أن تحصى، وأما النجوم فهدايات، وبهذا الوجه عدت من جملة النعم على بني آدم، ومن النعمة بها ضياؤها أحيانا، قال الزجاج: وعلم عدد السنين والحساب بها.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر، وقرأ ابن مسعود والأعمش وطلحة بن مصرف «والرياح مسخرات» في موضع «النجوم»، ثم قال إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لعظم الأمر لأن كل واحد مما ذكر آية في نفسه لا يشترك مع الآخر، وقال في الآية قبل الآية لأن شيئا واحدا يعم تلك الأربعة وهو النبات، وكذلك

صفحة رقم 382
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية