آيات من القرآن الكريم

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣)
شرح الكلمات:
ويخلق ما لا تعلمون: من سائر الحيوانات ومن ذلك السيارات والطائرات والقطر.
وعلى الله قصد السبيل: أي تفضلاً منه وامتناناً ببيان السبيل القاصدة وهي الإسلام.
ومنها جائر: أي عادل عن القصد وهو سائر الملل كاليهودية والنصرانية.
ومنه شجر: أي وبسببه يكون الشجر وهو هنا عام في سائر النباتات.
فيه تسيمون: ترعون مواشيكم.
مسخراتٍ بأمره: أي بإذنه وقدرته.
وما ذرأ لكم في الأرض: أي خلق لكم في الأرض من الحيوان والنباتات المختلفة.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في تقرير التوحيد بذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته إذ قال تعالى: ﴿والخيل١ والبغال والحمير﴾ أي خلقها وهو خالق كل شيء لعلة ركوبهم

١ قيل: واحد الخيل: خائل، وقيل: هو اسم جنس لا واحد له، وهذه الثلاثة: الخيل والبغال والحمير لم تدخل في لفظ الأنعام، ونصب: (والخيل) على تقدير: (وخلق الخيل).

صفحة رقم 101

إياها إذ قال: ﴿لتركبوها وزينة١﴾ أي ولأجل أن تكون زينةً لكم في حياتكم وقوله ﴿ويخلق مالا تعلمون﴾ أي مما هو مركوب وغير مركوب من مخلوقات عجيبة ومن المركوب هذه السيارات على اختلافها والطائرات والقطر السريعة والبطيئة هذا كله إفضاله وإنعامه على عباده فهل يليق بهم أن يكفروه ولا يشكروه؟ وهل يليق بهم أن يشركوا في عبادته سواه. وقوله ﴿وعلى الله قصد السبيل٢﴾ ومن إفضاله وإنعامه الموجب لشكره ولعبادته دون غيره أن بين السبيل القاصد الموصل إلى رضاه وهو الإسلام، في حين إن ما عدا الإسلام من سائر الملل كاليهودية والنصرانية والمجوسية وغيرها سبل جائره عن العدل والقصد سالكوها ضالون غير مهتدين إلى كمال ولا إلى إسعاد هذا معنى قوله تعالى ﴿وعلى الله قصد السبيل﴾ وقوله ﴿ولو شاء لهداكم أجمعين﴾ أي لو تعلقت بإرادته هداية الناس أجمعين لهداهم أجمعين وذلك لكمال قدرته وعلمه، إلا أن حكمته لم تقتض هداية لكل الناس فهدى من رغب في الهداية وأضل من رغب في الضلال. ومن مظاهر ربوبيته الموجبة لألوهيته أي عبادته ما جاء في الآيات التالية (١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤، ١٥) إذ قال تعالى: ﴿هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب٣﴾ تشربون منه وتتطهرون، ﴿ومنه﴾ أي من الماء الذي أنزل من السماء شجر٤ لأن الشجرة والمراد به هنا سائر النباتات يتوقف وجوده على الماء وقوله ﴿فيه تسيمون٥﴾ أي في ذلك النبات ترعون مواشيكم. يقال سام الماشية أي ساقها إلى المرعى ترعى وسامت الماشية أي رعت بنفسها. وقوله تعالى: ﴿ينبت لكم به﴾ أي بما أنزل من السماء من ماء ﴿الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات﴾ كالفواكه والخضر على اختلافها إذ كلها متوقفة على الماء. وقوله ﴿إن في ذلك﴾ أي المذكور من نزول الماء وحصول المنافع الكثيرة به

١ أخذ مالك من قوله تعالى: ﴿لتركبوها وزينة﴾ : حرمة أكل لحوم الخيل ووافقه أبو حنيفة، وأجاز الجمهور أكلها لأنّ الآية لم تحرّم شيئاً وإنّما ذكرت فائدة من فوائدها وهي الركوب، ومن أدلة الجمهور: الحديث الصحيح من ذلك قول الصحابي نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن لنا في لحوم الخيل". وقال جابر رضي الله عنه: "كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وحديث مسلم عن أسماء رضي الله عنها قالت: "فجزرنا فرسا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن بالمدينة وأكلناه".
٢ أي: على الله بيان قصد السبيل، والسبيل هو الإسلام، أي: بيان شرائعه وأحكامه وحِكمه ومواعظه بواسطة كتبه ورسله. وقصد السبيل: استقامته كما أن جائر السبيل: هو الحائد عن الاستقامة.
٣ الشراب: اسم لما يشرب وذكر للماء النازل من السماء فائدتين. الأولى: الشراب والثانية: إنبات النبات وهما نعمتان.
٤ لفظ الشجر: يطلق على النبات ذي الساق الصلبة ويطلق على مطلق العشب والكلأ تغليباً.
٥ الإسامة: إطلاق الإبل للسوم وهو الرعي يقال: سامت الماشية إذا رعت وأسامها: إذا رعاها.

صفحة رقم 102

﴿لآية﴾ أي علامةً واضحةً على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي مقتضية لعبادته وترك عبادة غيره. ولكن ﴿لقوم يتفكرون﴾ فيتعظون. أما اشباه البهائم الذين لا يفكرون في شيء فلا يجدون آية ولا شبة آية في الكون كله وهم يعيشون فيه. وقوله تعالى: ﴿وسخر لكم الليل والنهار﴾ الليل للسكون الراحة، والنهار للعمل ابتغاء الرزق وتسخيرهما كونهما موجودين باستمرار لا يفترقان أبداً إلى أن يأذن الله بانتهائهما وقوله: ﴿والشمس والقمر﴾ أي سخرهما كذلك للانتفاع بضوء الشمس وحرارتها، وضوء القمر لمعرفة عدد السنين والحساب، وقوله: ﴿والنجوم مسخرات١ بأمره﴾ كذلك ومن فوائد النجوم الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر وكونها زينة وجمالاً للسماء التي هي سقف دارنا هذه.. وقوله ﴿إن في ذلك﴾ المذكور من تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم ﴿لآيات﴾ عدة يستدل بها على الخالق وعلى وجوب عبادته وعلى توحيده فيها، ولكن ﴿لقومٍ يعقلون﴾ أي الذين يستخدمون طاقة عقولهم في فهم الأشياء وإدراك أسرارها وحقائقها أما أشباه البهائم والمجانين الذين لا يفكرون ولا يتعقلون ولا يعقلون، فليس لهم في الكون كله آية واحدة يستدلون بها على ربهم ورحمته بهم وواجب شكره عليهم وقوله تعالى: ﴿وما٢ ذرأ لكم في الأرض﴾ أي وما خلق لكم في الأرض من إنسان وحيوان ونبات ﴿مختلفاً ألوانه﴾ ٣ وخصائصه وشيانه ومنافعه وآثاره ﴿إن في ذلك﴾ الخلق العجيب ﴿لآية﴾ أي في دلالة واضحة على وجود الخالق عز وجل ووجوب عبادته وترك عبادة غيره ولكن ﴿لقوم يذكرون﴾ فيتعظون فينتبهون إلى ربهم فيعبدونه وحده بامتثال أمره واجتناب نهيه فيكملون على ذلك ويسعدون في الحياتين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- كون الخيل٤ والبغال والحمير خلقت للركوب والزينة لا ينفي منفعة أخرى فيها وهي أكل

١ ﴿مسخرات﴾ : أي: مذللاّت لمعرفة الأوقات ونضج الثمار، والاهتداء بالنجوم في الظلمات.
٢ الذرء: الخلق بالتناسل والتولّد بالحمل والتفريخ فليس الإنبات فقط.
٣ المخلوقات قسمان: قسم منها مسخر مذلل كالدواب والأنعام والأشجار، وقسم غير مذلل ولا مسخر، وشاهد هذا: قول كعب الأحبار: لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حماراً فقيل له وما هن؟ قال: أعوذ بكلمات الله التامة التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ.
٤ ما في الآية: ﴿والخيل والبغال والحمير﴾ ما يدلى على وجوب الزكاة فيها، وفي الحديث الصحيح: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" رواه مالك.

صفحة رقم 103
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية