آيات من القرآن الكريم

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

إلى نور، وجمالا إلى جمال، وعظما إلى عظم، ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقع من ريشة كذا وكذا ألف ملك فيدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور، وسبعون ألف ملك الكعبة، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ أي وعلى الله بيان استقامة الطريق وهو الإسلام وَمِنْها أي من السبيل جائِرٌ
أي مائل عن الحق وهو أنواع الكفر والضلال وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) إلى استقامة الطريق هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ ولكل حي مِنْهُ أي الماء شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ أي من الماء ما ينبت على الأرض فِيهِ أي في الشجر تُسِيمُونَ (١٠) ترعون مواشيكم
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ أي بالماء الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ والإنسان خلق محتاجا إلى الغذاء وهو إما أن يكون من الحيوان أو من النبات والغذاء الحيواني إنما يحصل من أسامة الحيوانات، وأما الغذاء النباتي فقسمان:
حبوب، وفواكه. فالحبوب: هي ما به قوام بدن الإنسان. وأشرف الفواكه: الزيتون والنخيل والأعناب، أما الزيتون فلأنه فاكهة من وجه وإدام من وجه آخر لكثرة ما فيه من الدهن، ومنافع الأدهان كثيرة في الأكل والطلي واشتعال السرج، وأما امتياز النخيل والأعناب من سائر الفواكه فظاهر. وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ مما لا يمكن على الناس تفصيل أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها إِنَّ فِي ذلِكَ أي في إنزال الماء وإنبات ما ذكر لَآيَةً دالة على تفرده تعالى بالألوهية لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وضعت في الأرض ومر عليها مقدار من الزمان مع رطوبة الأرض، فإنها تنتفخ وينشق أعلاها فيصعد منه شجرة إلى الهواء وأسفلها تغوص منه عروق في الأرض، ثم ينمو الأعلى ويقوى وتخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الطباع والطعوم والألوان والروائح والأشكال والمنافع ومن تفكر في ذلك علم أن من هذه أفعاله وآثاره لا يمكن أن يشبهه أحد في شيء من صفات الكمال وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ.
قرأ ابن عامر «والشمس والقمر والنجوم» بالرفع على الابتداء و «مسخرات» خبرها. وقرأ حفص عن عاصم و «النجوم» بالرفع. والباقون بالنصب في الجميع و «مسخرات» حال منه، أي أنه تعالى سخر للناس هذه الأشياء وجعلها موافقة لمصالحهم حال كونها مسخرات لله تعالى بِأَمْرِهِ أي بإرادته كيف شاء إِنَّ فِي ذلِكَ أي تسخير الليل وما بعده لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) أي يعلمون أن تسخيرها من الله تعالى وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي وسخر لكم ما خلق لكم في الأرض من حيوان ونبات مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ أي اختلاف ما في الأرض لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) أي يتعظون فإن اختلاف طبائع ما في الأرض وأشكاله مع اتحاد مواده إنما هو بصنع حكيم عليم قادر مختار منزه عن كونه جسمانيا وذلك هو الله تعالى وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ومعنى تسخير الله تعالى إياها للخلق جعلها بحيث يتمكن الناس من

صفحة رقم 588

الانتفاع بها إما بالركوب أو بالغوص لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً أي سمكا طَرِيًّا والتعبير عن السمك باللحم مع كونه حيوانا لانحصار الانتفاع به في الأكل ووصفه بالطراوة للإشعار بلطافته والتنبيه على طلب المسارعة إلى أكله لسرعة فساده وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً أي لؤلؤا ومرجانا تَلْبَسُونَها أي تلبسها نساؤكم لأجلكم فإن زينة النساء بالحلي إنما هو لأجل الرجال فهي حلية لكم بهذا الاعتبار وَتَرَى الْفُلْكَ أي تبصر السفن مَواخِرَ فِيهِ أي جواري في البحر مقبلة ومدبرة، ومعترضة بريح واحدة تشقه بحيزومها وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي لتركبوها للوصول إلى البلدان الشاسعة فتطلبوا الرزق بالتجارة وغيرها من فضل الله تعالى وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) أي تعرفون حقوق نعمه الجليلة فتقومون بأدائها بالطاعة والتوحيد وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أي جعل فيها جبالا ثوابت أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أي كراهة أن تميل بكم الأرض وتضطرب وَأَنْهاراً أي جعل في الأرض أنهارا جارية لمنافعكم وَسُبُلًا أي جعل فيها طرقا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) أي لكي تهتدوا بها في أسفاركم إلى مقاصدكم وَعَلاماتٍ أي جعل في الأرض أمارات الطرق التي يستدل بها المارون: وهي الجبال والرياح والتراب فإن جماعة يشمون التراب ويتعرفون بذلك الشم الطرق وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) بالليل في البراري والبحار.
وقال السدي: هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي أَفَمَنْ يَخْلُقُ هذه الأشياء وهو الله تعالى كَمَنْ لا يَخْلُقُ شيئا أصلا وهو الأصنام أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) أي ألا تلاحظون فلا تتذكرون فإن هذا القدر لا يحتاج إلى تفكر ولا إلى شيء سوى التذكر فيكفي فيه أن تتنبهوا على ما في عقولكم من أن العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم، فكيف يليق بالعاقل أن يشتغل بعبادة من لا يستحق العبادة ويترك عبادة من يستحقها وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها أي إنكم لا تعرفونها على سبيل التمام وإذا لم تعرفوها امتنع منكم القيام بشكرها على سبيل التمام ومما يدل قطعا على أن عقول الخلق قاصرة عن معرفة أقسام نعم الله تعالى أن كل جزء من أجزاء البدن الإنساني لو ظهر فيه أدنى خلل لتنغص العيش على الإنسان ولتمنى أن ينفق كل الدنيا حتى يزول عنه ذلك الخلل، ثم إنه تعالى يدبر أحوال بدن الإنسان على الوجه الأكمل مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك الجزء ولا بكيفية مصالحه فليكن هذا المثال حاضرا في ذهنك، ثم تأمل في جميع ما خلق الله في هذا العالم من المعادن والنبات والحيوان وجعلها مهيأة لانتفاعك بها حتى تعلم أن عقول الخلق تفنى في معرفة حكمة الرحمن في خلق الإنسان فضلا عن سائر وجوه الإحسان، ثم الطريق إلى الشكر أن يشكر الله تعالى على جميع نعمه مفصلها ومجملها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ للتقصير الصادر عنكم في القيام بشكر نعمه رَحِيمٌ (١٨) بكم حيث لم يقطع نعمه عنكم بسبب تقصيركم وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ أي تضمرونه من العقائد والأعمال وَما تُعْلِنُونَ (١٩) أي تظهرونه منهما وهذه

صفحة رقم 589
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية