
العيون ذكر فى سبب نزول قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ان عيرا لابى جهل قدمت من الشام بمال عظيم وهى سبع قوافل ورسول الله وأصحابه ينظرون إليها واكثر أصحابه بهم عرى وجوع فخطر ببال النبي عليه السلام شىء لحاجة أصحابه فنزلت اى أعطيناك سبعا من المثاني مكان سبع قوافل فلا تنظر لما أعطيناه لابى جهل وهو متاع الدنيا الدنية ولا تحزن على أصحابك واخفض جناحك لهم فان تواضعك لهم أطيب لقلوبهم من ظفرهم بما يحب من اسباب الدنيا ففى زوائد الجامع الصغير (لو ان فاتحة الكتاب جعلت فى كفة الميزان والقرآن فى الكفة الاخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات) وفى لفظ (فاتحة الكتاب شفاء من كل داء) ذكر فى خواص القرآن انه إذا كتبت الفاتحة فى اناء طاهر ومحيت بماء طاهر وغسل وجه المريض بها عوفى بإذن الله تعالى وإذا كتبت بمسك فى اناء زجاج ومحيت بماء الورد وشرب ذلك الماء البليد الذهن الذي لا يحفظ سبعة ايام زالت بلادته وحفظ ما يسمع والاشارة قال الله تعالى لنبيه ﷺ وهو الإنسان الكامل وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً هى سبع صفات ذاتية لله تبارك وتعالى السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والارادة والقدرة مِنَ الْمَثانِي اى من خصوصية المثاني وهى المظهرية والمظهرية لذاته وصفاته مختصة بالإنسان فان غير الإنسان لم توجد له المظهرية ولو كان ملكا ومن هاهنا يكشف سر من اسرار وعلم آدم الأسماء كلها فمنها اسماء صفات الله وذاته لان آدم كان مظهرها ومظهرها وكان الملك مظهر بعض صفاته ولم يكن مظهرا ولذا قال تعالى ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فلما لم يكونوا مظهرها وكانوا مظهر بعضها قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا ولهذا السر اسجد الله الملائكة لآدم عليه السلام وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ اى حقائقه القائمة بذاته تعالى وخلقا من أخلاقه القديمة بان جعل القرآن العظيم خلقه العظيم كما قال تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ولما سئلت عائشة رضى الله عنها عن خلق النبي ﷺ قالت كان خلقه القرآن وفى قوله لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ اشارة الى ان الله تعالى إذا أنعم على عبده ونبيه بهذه المقامات الكريمة والنعم العظيمة يكون من نتائجها ان لا يمد عينيه لا عين الجسماني ولا عين الروحاني الى ما متع الله به أزواجا من الدنيا والآخرة منهم اى من أهلها وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ اى على ما فاته من مشاركتهم فيها كما كان حالة رسول الله ﷺ ليلة المعراج إذ يغشى السدرة ما يغشى من نعيم الدارين ما زاغ البصر برؤيتها وما طغى بالميل إليها ثم قال وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فى هذا المقام قياما بأداء تشكر نعم الله وتواضعا له لنزيدك بهما فى النعمة والرفعة وفيه معنى آخر واخفض بعد وصولك الى مقام المحبوبية جناحك لمن اتبعك من المؤمنين لتبلغهم على جناح همتك العالية الى مقام المحبوبية يدل على هذا التأويل قوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ كما فى التأويلات النجمية كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ هو من قول الله تعالى لا من قول الرسول عليه الصلاة والسلام متعلق بقوله ولقد آتيناك لانه بمعنى أنزلنا اى أنزلنا عليك سبعا من المثاني والقرآن العظيم
صفحة رقم 488
انزالا مماثلا لانزال الكتابين على اليهود والنصارى المقتسمين الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ المنزل عليك يا محمد عِضِينَ اجزاء. وبالفارسية [پاره پاره يعنى پخش كردند قرآنرا] والموصول مع صلته صفة مبينة لكيفية اقتسامهم اى قسموا القرآن الى حق وباطل حيث قالوا عنادا وعدوانا بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما وهذا المعنى مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما. والغرض بيان المماثلة بين الايتاءين لا بين متعلقيهما كما فى الصلوات الخليلية فان التشبيه فيها ليس لكون رحمة الله الفائضة على ابراهيم وآله أتم وأكمل مما فاض على النبي عليه الصلاة والسلام وانما ذلك للتقدم فى الوجود فليس فى التشبيه اشعار بافضلية المشبه به من المشبه فضلا عن إيهام افضلية ما تعلق به الاول مما تعلق به الثاني فانه عليه الصلاة والسلام اوتى ما لم يؤت أحد قبله ولا بعد مثله. وعضين جمع عضة وهى الفرقة والقطعة أصلها عضوة فعلة من عضى الشاة تعضية إذا جعلها أعضاء وانما جمعت جمع السلامة جبرا للمحذوف وهو الواو كسنين وعزين والتعبير عن تجزية القرآن بالتعضية التي هى تفريق الأعضاء من ذى الروح المستلزم لازالة حياته وابطال اسمه دون مطلق التجزئة والتفريق اللذين يوجدان فيما لا يضره التبعيض من المثليات للتنصيص على كمال قبح ما فعلوه بالقرآن العظيم هذا وقد قال بعضهم المقتسمون اثنا عشر او ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة ايام موسم الحج فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على ابوابها فاذا جاء الحاج قال واحد منهم لا تغتروا بهذا الرجل فانه مجنون وقال آخر كاهن وآخر عرّاف وآخر شاعر وآخر ساحر فثبط كل واحد منهم الناس عن اتباعه عليه الصلاة والسلام ووقعوا فيه عندهم فاهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات وعلى هذا فيكون الموصول مفعولا اولا لانذر الذي تضمنه النذير اى انذر المعضين الذين يجزؤن القرآن الى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين مثل ما أنزلنا على المقتسمين اى سننزل على ان يجعل المتوقع كالواقع وهو من الاعجاز لانه اخبار بما سيكون وقد كان وهذا المعنى هو الأظهر ذكره ابن إسحاق كذا فى التكملة لابن عساكر فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ اى لنسألن يوم القيامة اصناف الكفرة من المقتسمين وغيرهم سئوال توبيخ وتقريع بان يقال لم فعلتم وقوله تعالى فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ اى لا يسألون أي شىء فعلتم ليعلم ذلك من جهتهم لان سئوال الاستعلام محال على الملك العلام ويجوز ان يكون السؤال مجازا عن المجازاة لانه سببها عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ فى الدنيا من قول وفعل وترك وقال فى بحر العلوم فان قلت قد ناقض هذا قوله فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قلت ان يوم القيامة يوم طويل مقدار خمسين الف سنة ففيه ازمان واحوال مختلفة فى بعضها لا يسألون ولا يتكلمون كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (تمكثون الف عام فى الظلمة يوم القيامة لا تتكلمون) وفى بعضها يسألون ويتساءلون قال الله تعالى وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ وفى بعضها يتخاصمون وقال كثير من العلماء يسألهم عن لا اله الا الله وهى كلمة النجاة وهى كلمة الله العليا لو وضعت فى كفة والسموات والأرضون السبع فى كفة لرجحت بهن من قالها مرة غفر له ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر: قال المغربي
صفحة رقم 489