آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ
ﭑﭒﭓﭔ

وكلمة (عضين) تعني القطع؛ فيُقال للجزار حين يذبح الشاة أو العجل أنه قد جعله عِضين. أي: فصَل كُلَّ ذراع عن الآخر، وكذلك قطع الفخذ؛ أي: أنه جعل الذبيحة قِطَعاً قِطَعاً بعد أنْ كانت أعضاء مُتصلة.
وكذلك كان القرآن حينما نزل كياناً واحداً؛ فأراد بعض من الكفار أن يُقطِّعوه إلى أجزاء. والمقصود هنا هم جماعة من اليهود

صفحة رقم 7776

وجماعة من النصارى الذين كانوا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأرادوا أنْ يُقطِّعوا القرآن كما فعلوا مع الكتابين اللذين نزلا على موسى، وهما التوراة؛ والإنجيل الذي جاء به عيسى.
وقد قال الحق سبحانه فيهما: ﴿وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ﴾ [المائدة: ١٣].
أي: أن بعضاً من اليهود قد نَسُوا بعضاً من التوراة، وكذلك نسى البعض من أتباع عيسى بعضاً من الإنجيل الذي نزل عليه.
وإنْ وجدنا لهم العذر في النسيان؛ فماذا عن الذي كتموه من تلك الكتب؟ وماذا عن الذي بدَّلوه وحرَّفوه من كلمات تلك الكتب؟ وماذا عن الذي أضافوه عليه، ولم ينزل من عند الله؟ وقد فضح سبحانه كل ذلك في القرآن.
أو: أن اليهود استقبلوا القرآن استقبالَ مَنْ يُصدِّق بعضه مِمَّا

صفحة رقم 7777

لا يتعبهم، وكذَّبوه في البعض الذي يتعبهم، فقد كذَّبوا مثلاً أن كتابهم قد بشَّرهم بمحمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
وهكذا نرى كيف حاولوا أن يجعلوا القرآن عِضين، أي: قطعاً مفصولة عن بعضها البعض، وقد حاولوا ذلك بعد أن تبيَّن لهم أن القرآن مُؤثِّر وفاعل.
وشاء الحق سبحانه للقرآن أن يحمل النذارة والبشارة؛ فالرسول نذير بالقرآن المبين الواضح لِمَنِ اقتسموا الأمر بالنسبة لمحمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فقِسْم منهم تفرَّغ للاستهزاء بمحمد ومَنْ آمنوا معه؛ وجماعة أخرى قسَّمتْ أعضاءها ليجلسوا على أبواب مكة أثناء موسم الحج، ويستقبلون القادمين للحج من البلاد المختلفة ليحذروهم من الاستماع لمحمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
ومن هؤلاء مَنْ وصف الرسولَ صلى الله عليه وسم بالجنون؛ ومنهم مَنْ وصف القرآن بأنه شِعْر؛ ومنهم مَنْ وصفَ الرسول بأنه ساحر.
ثم يقول الحق سبحانه من بعد ذلك: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ... ﴾.

صفحة رقم 7778
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية