آيات من القرآن الكريم

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ

أَصْحَابُ الْحَجَرِ هُمْ: ثَمُودُ الَّذِينَ كَذَّبُوا صَالِحًا نَبِيَّهُمْ، وَمَنْ كَذَّبَ بِرَسُولٍ فَقَدْ كَذَّبَ بِجَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ؛ وَلِهَذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ تَكْذِيبُ الْمُرْسَلِينَ.
وَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ آتَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا يَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ صَالِحٌ، كَالنَّاقَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا اللَّهُ لَهُمْ بِدُعَاءِ صَالِحٍ مِنْ صَخْرَةٍ صَمَّاءَ فَكَانَتْ (١) تَسْرَحُ فِي بِلَادِهِمْ، لَهَا شِرْبٌ وَلَهُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. فَلَمَّا عَتَوا وَعَقَرُوهَا قَالَ لَهُمْ: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هُودٍ: ٦٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فُصِّلَتْ: ١٧]
وَذَكَرَ تَعَالَى: أَنَّهُمْ ﴿كَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ أَيْ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا احْتِيَاجٍ إِلَيْهَا، بَلْ أَشَرًا وَبَطَرًا وَعَبَثًا، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ مِنْ صَنِيعِهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ بِوَادِي الْحِجْرِ، الَّذِي مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى تَبُوكَ فَقَنَّع رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ دَابَّتَهُ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ" (٢)
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ أَيْ: وَقْتَ الصَّبَاحِ مِنَ (٣) الْيَوْمِ الرَّابِعِ، ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أَيْ: مَا كَانُوا يَسْتَغِلُّونَهُ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمُ الَّتِي ضَنُّوا بِمَائِهَا عَنِ النَّاقَةِ، حَتَّى عَقَرُوهَا لِئَلَّا تُضَيِّقَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيَاهِ، فَمَا دَفَعَتْ عَنْهُمْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ، وَلَا نَفَعَتْهُمْ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ.
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ (٨٦) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ﴾ أَيْ: بِالْعَدْلِ؛ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النَّجْمِ: ٣١] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: ٢٧] وَقَالَ ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٥-١١٦]
ثُمَّ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَأَنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالصَّفْحِ الْجَمِيلِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، فِي أَذَاهُمْ لَهُ وَتَكْذِيبِهِمْ مَا جَاءَهُمْ (٤) بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ (٥) [الزُّخْرُفِ: ٨٩]
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ هَذَا قَبْلَ الْقِتَالِ. وَهُوَ كَمَا قَالَا فإن هذه مكية، والقتال إنما

(١) في ت: "وكانت".
(٢) جاء من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٣٨٠) ومسلم في صحيحه برقم (٢٩٨) ولفظه: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم.." الحديث. ورواه البخاري في صحيحه برقم (٤٧٠٢) بلفظ: "لا تدخلوا على هؤلاء القوم إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصابهم".
(٣) في أ: "في".
(٤) في ت، أ: "ما جاء".
(٥) في ت: "تعلمون".

صفحة رقم 545
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية