
(رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا) والبلد هو مكة المكرمة، زادها اللَّه تعالى تشريفا، وقوله تعالى: (آمِنًا) أي ذا أمن؛ لأن الأمن للسكان لَا للمكان، ومعنى الأمن لَا اعتداء فيه، ووصف المكان بالأمن، فيه بيان سيادة الأمن، فالمكان لَا اعتداء فيه، وهو مقدس، وقد أجاب اللَّه تعالى دعاءه وكان فضلا من اللَّه على العرب، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧).
صفحة رقم 4035
والجزء الثاني من الدعاء أنه دعا ربه مبتهلا إليه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام فقال تعالى حاكيا دعاءه: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) دعا - ﷺ - لنفسه ولبنيه أن يجنبهم عبادة الأصنام، فقوله تعالى: (أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) فيه (أَن) وما بعدها، مصدر وهو عبادة الأصنام، وذكر الفعل المضارع لتصوير عبادة الأصنام، وفى ذلك إشارة إلى قبحها وبعدها عن العقول.
وقول إبراهيم: (وَبَنِيَّ) واضح أنه لَا يشمل الذرية كلها لدلالة اللفظ على ذلك؛ ولأن الإجابة لم تكن للذرية كلها، فقد كان من هذه الذرية من عبد الأصنام، بدليل هؤلاء الذين نظر فيهم القرآن، وخاطبهم محمد - ﷺ - يدعوهم إلى أن يعبدوا اللَّه وحده لَا يشركون به شيئًا، فاللَّه تعالى لم يكن في إجابته سبحانه وتعالى ما يعم الذرية كلها.
ولقد كان إبراهيم - ﷺ - الذي كان أبوه صانع أصنام، والذي ابتدأ حياته بِحَطْم الأصنامِ، والذي قال: (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذَا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ...).
كان إبراهيم أشد الناس بغضا للأصنام وإدراكًا لضلال من يعبدونها؛ ولذا قال مؤكدا: