آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ

وقوله: وَآتاكُمْ للجنس من البشر، أي إن الإنسان بجملته قد أوتي من كل ما شأنه أن يسأل وينتفع به، ولا يطرد هذا في واحد من الناس وإنما تفرقت هذه النعم في البشر، فيقال- بحسب هذا- للجميع أوتيتم كذا- على جهة التعديد للنعمة- وقيل المعنى: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ أن لو سألتموه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قريب من الأول.
وما في قوله: ما سَأَلْتُمُوهُ يصح أن تكون مصدرية، ويكون الضمير في قوله: سَأَلْتُمُوهُ عائدا على الله تعالى: ويصح أن يكون ما بمعنى الذي، ويكون الضمير عائدا على الذي.
وقرأ الضحاك بن مزاحم «من كلّ ما سألتموه» بتنوين «كل» وهي قراءة الحسن وقتادة وسلام، ورويت عن نافع، المعنى: وآتاكم من كل هذه المخلوقات المذكورات قبل. ما من شأنه أن يسأل لمعنى الانتفاع به. ف ما في قوله: ما سَأَلْتُمُوهُ مفعول ثان ب آتاكُمْ وقال بعض الناس: ما نافية على هذه القراءة أي أعطاكم من كل شيء لم يعرض له.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تفسير الضحاك. وأما القراءة الأولى بإضافة كُلِّ إلى ما- فلا بد من تقدير المفعول الثاني جزءا أو شيئا ونحو هذا.
وقوله: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها أي لكثرتها وعظمها في الحواس والقوى والإيجاد بعد العدم والهداية للإيمان وغير ذلك. وقال طلق بن حبيب: إن حق الله تعالى أثقل من أن يقوم به العباد، ونعمه أكثر من أن يحصيها العباد. ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين وقال أبو الدرداء: من لم ير نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه.
وقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ يريد به النوع والجنس المعنى: توجد فيه هذه الخلال وهي الظلم والكفر، فإن كانت هذه الخلال من جاحد فهي بصفة وإن كانت من عاص فهي بصفة أخرى.
قوله عز وجل:
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٥ الى ٣٧]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)
المعنى: واذكر إذ قال إبراهيم، والْبَلَدَ: مكة، وآمِناً معناه فيه أمن، فوصفه بالأمن تجوزا- كما قال: فِي يَوْمٍ عاصِفٍ [إبراهيم: ١٨]، وكما قال الشاعر:
وما ليل المطي بنائم

صفحة رقم 340

وَاجْنُبْنِي معناه: وامنعني، يقال: جنبه كذا وجنبه وأجنبه: إذا منعه من الأمر وحماه منه.
وقرأ الجحدري والثقفي «وأجنبني» بقطع الألف وكسر النون.
وأراد إبراهيم بني صلبه، وكذلك أجيبت دعوته فيهم، وأما باقي نسله فعبدوا الأصنام، وهذا الدعاء من الخليل عليه السلام يقتضي إفراط خوفه على نفسه ومن حصل في رتبته، فكيف يخاف أن يعبد صنما؟! لكن هذه الآية ينبغي أن يقتدى بها في الخوف وطلب الخاتمة.
والْأَصْنامَ هي المنحوتة على خلقة البشر، وما كان منحوتا على غير خلقة البشر فهي أوثان، قاله الطبري عن مجاهد.
ونسب إلى الأصنام أنها أضلت كثيرا من الناس- تجوز- إذ كانت عرضة الإضلال، والأسباب المنصوبة للغيّ، وعليها تنشأ الأغيار، وحقيقة الإضلال إنما هي لمخترعه، وقيل: أراد بالأصنام هنا الدنانير والدراهم.
وقوله: وَمَنْ عَصانِي ظاهره بالكفر، بمعادلة قوله: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وإذا كان ذلك كذلك فقوله: فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ معناه: بتوبتك على الكفرة حتى يؤمنوا، لا أنه أراد أن الله يغفر لكافر، لكنه حمله على هذه العبارة ما كان يأخذ نفسه به من القول الجميل والنطق الحسن وجميل الأدب- صلى الله عليه وسلم- قال قتادة: اسمعوا قول الخليل صلى الله عليه وسلم، والله ما كانوا طعانين ولا لعانين، وكذلك قال نبي الله عيسى وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: ١١٨] وأسند الطبري عن عبد الله بن عمر حديثا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: تلا هاتين الآيتين ثم دعا لأمته، فبشر فيهم وكان إبراهيم التيمي يقول: من يأمن على نفسه بعد خوف إبراهيم الخليل على نفسه من عبادة الأصنام؟
وقوله: مِنْ ذُرِّيَّتِي يريد: إسماعيل عليه السلام، وذلك أن سارة لما غارت بهاجر- بعد أن ولدت إسماعيل- تعذب إبراهيم عليه السلام، بهما، فروي أنه ركب البراق- هو وهاجر والطفل- فجاء في يوم واحد من الشام إلى بطن مكة، فنزل وترك ابنه وأمته هنالك، وركب منصرفا من يومه ذلك، وكان هذا كله بوحي من الله تعالى فلما ولّى دعا بمضمن هذه الآية، وأما كيفية بقاء هاجر وما صنعت وسائر خبر إسماعيل، ففي كتاب البخاري والسير وغيره.
ومِنْ في قوله: مِنْ ذُرِّيَّتِي للتبعيض، لأن إسحاق كان بالشام، و «الوادي» : ما بين الجبلين، وليس من شروطه أن يكون فيه ماء.
وهذه الآية تقتضي أن إبراهيم عليه السلام قد كان علم من الله تعالى أنه لا يضيع هاجر وابنها في ذلك الوادي، وأنه يرزقهما الماء، وإنما نظر النظر البعيد للعاقبة فقال: غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، ولو لم يعلم ذلك من الله لقال: غير ذي ماء على ما كانت عليه حال الوادي عند ذلك.
وقوله: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ إما أن يكون البيت قد كان قديما- على ما روي قبل الطوفان، وكان علمه عند إبراهيم- وإما أن يكون قالها لما كان قد أعلمه الله تعالى أنه سيبني هنالك بيتا لله تعالى، فيكون

صفحة رقم 341
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية