آيات من القرآن الكريم

وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ

كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ»
المثل يستعار للصفة التي فيها غرابة راجع الآية ١١٢ من سورة النحل المارة، وبيّن ذلك المثل بقوله عز قوله «أَعْمالُهُمْ» التي عملوها في الدنيا من إقراء ضيف أو إغاثة ملهوف أو صلة رحم أو عتق رقبة أو فك الأسير أو غيرها «كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ» فطيّرته ولم تبق له أثرا، هكذا يمثله الله لهم يوم القيامة لتزداد حسرتهم فتراهم «لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ» منها من الثواب لأنها وقعت منهم حال الكفر إذ يشترط لثواب الأعمال أن تكون مع الإيمان بالله وعدم الشرك به «ذلِكَ» حرمانهم من ثواب أعمالهم الطيبة «هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» ١٨ عن طريق الصواب والخسران الكبير عن حسن المآب، وشبه هذه الآية، الآية ٢٩ من سورة النور في ج ٣، قال تعالى «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» لأمر عظيم لا عبثا ولا باطلا «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ» أيها الناس من بينهما فيخسف بكم الأرض أو يطيركم بالهواء فيجعلكم هباء «وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ» ١٩ غيركم أطوع منكم إليه وأكثر عبادة «وَما ذلِكَ» إذهابكم والإتيان بغيركم «عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» ٢٠ لا ممتنع ولا متعذر لأن القادر لا يصعب عليه شيء فالذي خلق السموات والأرض لا شك قادر على إبادتهما ومن فيهما وإيجاد غيرهم، وهذه الآية مكررة في سورة فاطر ج ١، والأنعام المارة والنساء ج ٣، وغيرها ولكن لمناسبة أخرى.
قال تعالى «وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً» من قبورهم بعد النفخة الثانية وسيقوا إلى المحشر وبعد إجراء الحساب ومقابلة العابدين لمعبوديهم من البشر وغيره وعند إجراء المحاورة بينهم «فَقالَ الضُّعَفاءُ» العابدون والأتباع الذين غلبوا على أمرهم في الدنيا لما رأو العذاب «لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» عليهم في الدنيا من الرؤساء والأغنياء الذين ساقوهم لعبادة غير الله «إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً» في الدنيا مسيرين في خدمتكم وأمركم «فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا» اليوم فتكفونا وتدفعوا عنا وتمنعونا «مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ» فترفعونه عنا كما كنتم تعدونا بذلك في الدنيا «قالُوا» لهم لا لأنه «لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ» إلى الإيمان الذي كنا نؤمر به ولا نسمعه، ولكن ضللنا فأضللناكم «سَواءٌ عَلَيْنا» نحن وأنتم في

صفحة رقم 278

في العذاب سواسية «أَجَزِعْنا» منه «أَمْ صَبَرْنا» عليه «ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ» ٢١ عنه فلا نجاء ولا مهرب ولا محيد ولا مخلص، من خاص إذا عدل لجهة الفرار، راجع الآية ١٠ من سورة القيامة المارة في ج ١، ثم ان الفريقين ألقوا اللوم على الشيطان فاستحضره الحق جل وعلا وذكر لنا ما جابههم به وهو «وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ» بين الناس وعرف كل مصيره وصار أهل الجنة للجنة يحمدون الله تعالى على ما صاروا إليه بسبب اتباعهم أوامر ربهم وأهل النار للنار يلومون إبليس ويوبخونه على إغرائه لهم في الدنيا، فيقول لهم «إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ» الناجز فلم تصدقوه «وَوَعَدْتُكُمْ» خداعا بكم وإغواء لكم وعدا كذبا «فَأَخْلَفْتُكُمْ» لأنه لا حقيقة له ولا قدرة لي على إنجازه «وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ» أقهركم به على اتباعي «إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ» دعوة عادية بما أوقعته في قلوبكم من الوسوسة لا بسيفي ولا برمحي ولا بأية معجزة «فَاسْتَجَبْتُمْ لِي» طوعا ورغبة واختيارا عفوا من أنفسكم وتبعا لشهواتكم الخسيسة التي منبتكم بها قولا. والأماني كالآمال لا وثوق بها ولا بوقوعها «فَلا تَلُومُونِي» الآن على ما كنتم به راضين قبلا «وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» على عدم إصغائكم لدعوة الرسل المؤيدة بالبراهين والآيات وعدم اتعاظكم بمعجزاتهم وركونكم لنصحهم وإرشادهم الحق، فاقطعوا أملكم «ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ» ولا مغيثكم ومنقذكم من العذاب الآن وإن ما وعدتكم به في الدنيا كله زور وبهت لا صحة لشيء منه وإني عاجز الآن عن كل شيء مثلكم «وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ» مما أنا فيه من العذاب «إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ» في عبادة الله حال الدنيا إذ لا يعبد غيره إلا ظالم «إِنَّ الظَّالِمِينَ» أمثالنا في الدنيا «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ٢٢ في الآخرة وها قد وقعنا به.
هذا آخر قول المغوي للغوات فاعتبروا يا أولي الأبصار واتعظوا يا أولي الألباب من الآن قبل أن يحلّ بكم ما قصه الله علينا، وقد تكررت بين العابدين والمعبودين المحاورة في القرآن كثيرا لمناسبات، ومعان أخرى لا تغني عن بعضها، راجع سورة سبأ المارة وفاطر والأعراف في ج ١ والبقرة والأنفال في ج ٣ وغيرها، قال تعالى

صفحة رقم 279

«وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ» ٢٣ فيما بينهم أنفسهم، وبينهم وبين الملائكة، وبينهم وبين ربهم «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا» وصفه بكونه «كَلِمَةً طَيِّبَةً» هي كلمة الإيمان «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» هي النخلة «أَصْلُها ثابِتٌ» في الأرض «وَفَرْعُها» أغصانها المتفرعة من رأسها صاعدة «فِي السَّماءِ ٢٤ تُؤْتِي أُكُلَها» ثمرها «كُلَّ حِينٍ» ووقت وقته الله تعالى لنضجه والثمر ما يدخر ليؤكل إبان نضجه وغيره في كل زمان «بِإِذْنِ رَبِّها» وتيسيره وتكوينه «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» اعتبارا وعظة «لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ٢٥ المعاني المضروبة من أجلها فيتعظوا بها. زوى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال أخبروني عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها وتؤتي أكلها كل حين. قال، قال ابن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولا شيئا قال ﷺ هي النخلة، قال فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، فقال ما منعك أن تتكلم؟ فقلت لم أركم تتكلمون فكرهت أن أتكلم وأقول شيئا، فقال عمر لأن تكون قلتها أحبّ إلي من كذا كذا. قال تعالى «وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ» هي كلمة الكفر إذ لا أخبث منها أبدا «كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ» هي الحنظل على أصح ما جاء فيها إذا لا أخبث منها عندنا في الدنيا أما في الآخرة فالزقوم والضريع والغسلين أجارنا الله منها «اجْتُثَّتْ» استؤصلت وقطعت ورفعت جئّتها المفروشة «مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ» لأنها «ما لَها مِنْ قَرارٍ» ٢٦ ثابت فيها ولا فرع صاعد في السماء، لأن كل شجرة عادة بقدر ما تتغلغل في الأرض ترتفع في السماء، وهذا هو الذي يثبتها ويقيها من تأثير الهواء وغيره «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» وهو كلمة التوحيد الحاصل أجرها «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» للذين يتمسكون بها لا يزيغون عن الحق فيمن زاغ ممن سلف كأصحاب الأخدود المتقدم ذكرهم في الآية ٤ من سورة البروج في ج ١، ومن رسخ كسلمان ورفقائه المتقدم ذكرهم

صفحة رقم 280

وكعمار ورفقائه المار ذكرهم في الآيتين ١٠٩/ ١١٠ من سورة النحل وفي الآية ٢٤ من سورة الكهف المارتين، الثابتين على الإيمان مع تعذيبهم من أجله وأمثال هؤلاء كما أن الله تعالى ثبتهم في الدنيا «وَفِي الْآخِرَةِ» يثبتهم أيضا وفي أول برزخ من برازخها وهو القبر، وعند سؤال الملكين، وفي المحشر والحساب إلى مواقف القيامة، حتى يدخلهم الجنة التي وعدها لهم. روى البخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: إن العبد إذا وضع في تبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد، فأما المؤمن فيقول اشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له أنظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا في الجنة، قال النبي ﷺ فيراهما جميعا، قال قتادة ذكر لنا أنه يفسح له في قبره، ثم يرجع إلى حديث أنس قال:
وأما المنافق وفي رواية وأما الكافر فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه من الثقلين، لفظ البخاري، ولمسلم بمعناه زاد في رواية: أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون. وأخرج أبو زيد عن أنس والنسائي عن أبي هريرة ما بمعناه، وأخرج الترمذي عن البراء بن عازب، وأبو داود عن عثمان بن عفان بزيادة في ذلك. الحكم الشرعي: سؤال الملكين في القبر لكل إنسان وإنسانة حق ثابت واجب الاعتقاد به، وهو معتقد أهل السنة والجماعة بالإتفاق، قال في بدء الأمالي:

وفي الأجداث عن توحيد ربي سيبلى كل شخص بالسؤال
ومثله في الجوهرة، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا فاسق زنديق، راجع ما يتعلق فيه في الآية ٢٦ من سورة المؤمن المارة وله صلة في الآية ٥٣ من سورة الروم الآتية، «وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ» فيزلهم في ذلك كله ويحرمهم مما أعده للمؤمنين «وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ» ٢٧ من الهداية والإضلال فيمن يريده وفاقا لما في أزله لا اعتراض عليه فيما يفعل وهو لا يسأل، وهذا أول الآيتين المدنيتين. قال تعالى «أَلَمْ تَرَ» يا سيد الرسل «إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً» جحودا بدلا من الاعتراف

صفحة رقم 281
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية