
العذاب، وقدرنا على أن نهديكم إلى طريق النجاة لنجيناكم مما شكوتم، وأجبناكم إلى ما سألتم، ولكنكم لستم اليوم لنا بمصرخين، ولا نحن لكم بمغيثين، ولا لما تدعونا إليه بمستجيبين...
فلا تلومونا ولوموا أنفسكم، ولات حين ملام! إنما ينفع لوم النّفس فيما تتعاطاه من الإساءة فى زمان المهلة وأوقات التكليف فإنّ أبواب التوبة مفتوحة، ولكن لمن لم ينزع روحه.
قوله جل ذكره:
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢٣]
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)
ذلك الذي مضى ذكره صفة الكفار والأعداء. وأمّا المؤمنون والأولياء، فقال:
«وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا | » والإيمان هو التصديق، «وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» تحقيق التصديق. |
و «تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ» - وكذلك قال تعالى: «لَهُمْ دارُ السَّلامِ»، فالوصف العام والتحية لهم من الله السلام.
ويقال إن أحوالهم متفاوتة فى الرتبة فقوم سلموا من الاحتراق ثم من الفراق ثم من العذاب ثم من الحجاب.
قوله جل ذكره:
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦)

هذا مثل ضربه الله للإيمان والمعرفة به سبحانه، فشبهه بشجرة طيبة، وأصل تلك الشجرة ثابت فى الأرض وفروعها باسقة وثمراتها وافية. تؤتى أكلها كل وقت، وينتفع بها أهلها كل حين.
وأصل تلك الشجرة المعرفة، والإيمان مصحّحا بالأدلة والبراهين، وفروعها الأعمال الصالحة التي هى الفرائض ومجانبة المعاصي.
والواجب صيانة الشجرة مما يضرّ بها مثل كشف القشر وقطع العرق وإملاق الغصن «١» وما جرى مجراه.
وأوراق تلك الشجرة القيام بآداب العبودية، وأزهارها الأخلاق الجميلة، وثمارها حلاوة الطاعة ولذة الخدمة.
وكما أن الثمار تختلف فى الطّعم والطبع والرائحة والصورة.. كذلك ثمرات الطاعات، ومعانى الأشياء التي يجدها العبد فى قلبه تختلف من حلاوة الطاعة وهى صفة العابدين، والبسط الذي يجده العبد فى وقته وهو صفة العارفين، وراحة فى الضمير وهو صفة المريدين، وأنس يناله فى سرّه وهو صفة المحبين. وقلق واهتياج يجدهما ولا يعرف سببهما، ولا يجد سبيلا إلى سكونه وهو صفة المشتاقين. إلى ما لا يفى بشرحه نطق، ولا يستوفيه تكلّف قول. وذكر من لوائح ولوامع، وطوارق وشوارق، كما قيل.
طوارق أنوار تلوح إذا بدت | فتظهر كتمانا وتخبر عن جمع |
وكما قال الله تعالى فى ثواب الجنة: «لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ» كذا لطائف هذه الشجرة