آيات من القرآن الكريم

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ۖ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

ومنها: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ، فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً، فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ، بَلى، وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ، إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس ٣٦/ ٧٧- ٨٣].
فقه الحياة أو الأحكام:
الآية للاستدلال بها على قدرته تعالى، فمن خلق السموات والأرض على ما يوافق الحكمة والصواب، قادر على إعادة الخلق بعد الموت، فالله هو القادر على الإفناء، كما هو قادر على إيجاد الأشياء، فلا تعصوه، فإنكم إن عصيتموه يعدمكم، ويأت بخلق جديد أفضل وأطوع منكم، إذ لو كانوا مثل الأولين، فلا فائدة في الإبدال، وما ذلك على الله بمنيع متعذر.
والمقصود أن الكفار أغرقوا في الكفر بالله، مع قيام الأدلة على قدرته وحكمته تعالى، وأنه الحقيق بالطاعة، الذي يرجى ثوابه ويخاف عقابه في دار الجزاء.
الحوار بين الأشقياء يوم العذاب والمناظرة بين الشيطان وأتباعه وظفر السعداء بالجنة
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢١ الى ٢٣]
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)

صفحة رقم 233

الإعراب:
بِمُصْرِخِيَّ فتحت الياء لإدغام ياء الجمع في ياء الإضافة، بعد حذف نون الإضافة، على لغة من يفتحها، وبقيت الفتحة على حالها، أو أن فتحها لالتقاء الساكنين على لغة من أسكنها، فياء الإضافة فيها لغتان: الفتح والإسكان. وعلى قراءة كسر الياء فهو عدول إلى الأصل، وهو الكسر، ليكون مطابقا لكسر همزة: إِنِّي كَفَرْتُ...
أَنْ دَعَوْتُكُمْ أن وصلتها: في موضع نصب على الاستثناء المنقطع. بِما أَشْرَكْتُمُونِ ما: مصدرية أي بإشراككم.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا جملة فعلية في موضع نصب صفة جنات. خالِدِينَ حال من الَّذِينَ.
وتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ جملة اسمية في موضع نصب على الحال من الَّذِينَ وهي حال بقدرة، أو حال من الضمير في خالِدِينَ فلا تكون حالا مقدرة. أو في موضع نصب على لوصف لجنات.

صفحة رقم 234

والهاء والميم في تَحِيَّتُهُمْ إما تأويل فاعل، أضيف المصدر إليه، أي يحيي بعضهم بعضا بالسلام، وإما في موضع مفعول لم يسم فاعله (نائب فاعل) أي يحيّون بالسلام، على معنى:
تحيّيهم الملائكة بالسلام.
البلاغة:
فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ طباق السلب.
جَزِعْنا وصَبَرْنا بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
وَبَرَزُوا أي الخلائق، أي ظهروا بالبراز: وهي الأرض المتسعة، أي مجتمع الناس في ذلك اليوم، ومنه امرأة برزة أي تظهر للرجال، والتعبير فيه وفيما بعده بالماضي لتحقق وقوعه.
الضُّعَفاءُ الأتباع، أي ضعاف الرأي والفكر. لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا المتبوعين، وهم الرؤساء الأقوياء الذين استنفروهم. تَبَعاً جمع تابع. مُغْنُونَ دافعون. مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ من الأولى: للتبيين، والثانية: للتبعيض. لَهَدَيْناكُمْ لدعوناكم إلى الهدى. ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ من: زائدة، ومحيص: ملجأ ومنجى ومهرب.
الشَّيْطانُ إبليس. لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ لما أحكم وفرغ منه، ودخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار. إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وعدا من حقه أن ينجز، أو وعدا أنجزه، وهو الوعد بالبعث والجزاء، فصدقكم الوعد. وَوَعَدْتُكُمْ وعد الباطل وهو ألا بعث ولا حساب.
فَأَخْلَفْتُكُمْ قدر إبليس تبين خلف وعده كالإخلاف منه. مِنْ سُلْطانٍ من: زائدة، والسلطان: القوة والقدرة والتسلط، فألجئكم على الكفر والمعاصي، واقهركم على متابعتي. إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ لكن. فَاسْتَجَبْتُمْ لِي أسرعتم إجابتي. وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ على إجابتي وإطاعتي، ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم.
بِمُصْرِخِكُمْ بمغيثكم، والمستصرخ: المستغيث. بِما أَشْرَكْتُمُونِ بإشراككم إياي مع الله.
مِنْ قَبْلُ في الدنيا. إِنَّ الظَّالِمِينَ الكافرين، وهو قول الله تعالى. لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم. تَحِيَّتُهُمْ فِيها من الله ومن الملائكة وفيما بينهم.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى ألوان عذاب الكفار في الآخرة، ثم ذكر عقيبه أن أعمالهم تصير محبطة باطلة، ذكر هنا مدى خجلهم أمام أتباعهم وافتضاحهم

صفحة رقم 235

عندهم، وأبان هذا بصورة محاورة بين السادة والأتباع، ومناظرة بين الشيطان وأتباعه الإنس، ثم ذكر جزاء المؤمنين السعداء وظفرهم بجنان الخلد.
التفسير والبيان:
وبرزت الخلائق كلها برّها وفاجرها لله الواحد القهار في موقف الحساب، واجتمعوا له في مكان متسع لا ساتر فيه، خلافا لحال الدنيا حيث يظن الكفار والعصاة أن الله لا يراهم.
فقال الضعفاء، أي الأتباع للقادة والسادة والكبراء في العقل والتفكير، أولئك القادة الذين استكبروا عن عبادة الله وحده وعن اتباع الرسل: إنا كنا تابعين لكم، مقلدين في الأعمال، نأتمر بأمركم ونفعل فعلكم، فكفرنا بالله، وكذبنا الرسل متابعة لكم، فهل أنتم تدفعون عنا اليوم بعض عذاب الله، كما كنتم تعدوننا وتمنوننا.
فأجابهم القادة المتبوعون متنصلين من الدفاع عنهم: لو هدانا الله لدينه الحق، ووفقنا لاتّباعه، وأرشدنا إلى الخير، لهديناكم وأرشدناكم إلى سلوك الطريق الأقوم، ولكنه لم يهدنا، فحقت كلمة العذاب على الكافرين.
ثم أعلنوا يأسهم من النجاة فقالوا: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا.. أي ليس لنا خلاص ولا منجى مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه، أي أن الجزع والصبر سيّان، فلا نجاة لنا من عذاب الله تعالى.
قال ابن كثير: والظاهر أن هذه المراجعة (أي الحوار) في النار، بعد دخولهم فيها «١»، كما قال تعالى: وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ، فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ.

(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٥٢٨

صفحة رقم 236

قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنَّا كُلٌّ فِيها، إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ [غافر ٤٠/ ٤٧- ٤٨] وقال تعالى: قالَ: ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ، كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها، حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً، قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ: رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا، فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ، وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ. وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ: فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ
[الأعراف ٧/ ٣٨- ٣٩] وقال تعالى: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب ٣٣/ ٦٧- ٦٨].
ثم ذكر الله تعالى محاورة أخرى بين الشيطان وأتباعه من الإنس، فقال:
وَقالَ الشَّيْطانُ.. أي وقال إبليس لأتباعه الإنس، بعد ما قضى الله بين عباده، فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين الدركات: إن الله وعدكم بالبعث والجزاء وعد الحق على ألسنة رسله، وكان وعدا حقا وخبرا صدقا، وأما أنا فوعدتكم ألا بعث ولا جزاء، ولا جنة ولا نار، فأخلفتكم موعدي، إذ لم أقل إلا باطلا من القول وزورا، كما قال تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً [النساء ٤/ ١٢٠] وقد اتبعتموني وتركتم وعد ربكم.
وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أي وما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه دليل ولا حجة، ولا قوة ولا تسلط فيما وعدتكم به.
إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ.. أي ولكن حينما دعوتكم استجبتم لي، بمجرد ذلك.
فَلا تَلُومُونِي.. أي فلا توجهوا اللوم إلي اليوم، ولوموا أنفسكم لأنكم أسرعتم إلى إجابتي باختياركم، فإن الذنب ذنبكم لكونكم لم تستمعوا إلى دعاء ربكم، وقد دعاكم دعوة الحق بالحجج والبينات، فخالفتم البراهين الداعية لكم إلى الصواب.

صفحة رقم 237

ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ.. ما أنا بمغيثكم ولا نافعكم ولا منقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه من العذاب، وما أنتم بمغيثي ولا نافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال، كما قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، وَرَأَوُا الْعَذابَ [البقرة ٢/ ١٦٦].
إِنِّي كَفَرْتُ.. إني أنكرت أو جحدت اليوم بإشراككم إياي من قبل أي في الدنيا مع الله تعالى في الطاعة، كما قال سبحانه: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر ٣٥/ ١٤] والمراد بذلك تبرؤه من الشرك وإنكاره له، كما قال تعالى: إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَفَرْنا بِكُمْ [الممتحنة ٦٠/ ٤] وقال سبحانه. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم ١٩/ ٨٢].
إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ هذا في الأظهر من قول الله عز وجل، ويحتمل أن يكون من جملة قول إبليس المحكي في القرآن قطعا لأطماع أولئك الكفار عن الإعانة والإغاثة، والمعنى: إن الكافرين في إعراضهم عن الحق، واتباعهم الباطل، لهم عذاب مؤلم.
والمقصود تنبيه الناس إلى تبرؤ الشيطان من وساوسه في الدنيا، وحضهم على الاستعداد ليوم الحساب، وتذكر أهوال الموقف.
وبعد أن أبان الله تعالى أحوال الأشقياء، أوضح أحوال السعداء، وكلا الفريقين كانوا قد برزوا للحساب والجزاء بين يدي الله، فقال: وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا...
أي ويدخل الملائكة الذين صدقوا بالله ورسوله، وأقروا بوحدانيته، واتبعوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، جنات (بساتين) فيها الأنهار الجارية في كل

صفحة رقم 238

مكان، وهم ماكثون فيها أبدا، لا يحولون عنها ولا يزولون منها، وذلك بإذن ربهم، أي بتوفيقه وفضله وأمره.
تحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم، ويحيون بعضهم بعضا بالسلام، كما قال تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها، وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها: سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الزمر ٣٩/ ٧٣] وقال سبحانه: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد ١٣/ ٢٣- ٢٤] وقال عز وجل: وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً [الفرقان ٢٥/ ٧٥] ويحييهم ربهم بالسلام: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس ٣٦/ ٥٨] وتحية بعضهم كما قال تعالى: دَعْواهُمْ فِيها: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ، وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ، وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس ١٠/ ١٠].
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم من الآيات ما يأتي:
١- العتاب والنزاع والخصام قائم بين أهل النار، فهذه محاورة بين القادة والأتباع تدل على عجز السادة عن تحقيق أي شيء لأتباعهم الذين اتبعوهم في الدنيا، فهم لا يستطيعون تخليص أنفسهم من عذاب الله، ولا تحقيق أي نفع لذواتهم، فبالأولى لا يتمكنون من نفع غيرهم، والكل لا يجدون مهربا ولا ملجأ من عذاب الله وعقابه على الكفر والعصيان، وذلك سواء صبروا على العذاب أو جزعوا وضجروا.
٢- إقرار السادة بالضلال، فدعوا أتباعهم إلى الضلال، ولو هدوا وأرشدوا لأرشدوا غيرهم، وهذا كذب منهم، كما قال تعالى حكاية عن المنافقين: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً، فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ [المجادلة ٥٨/ ١٨].
٣- أعقب الله المناظرة التي وقعت بين الرؤساء والأتباع من كفرة الإنس، بالمناظرة التي وقعت بين الشيطان وأتباعه من الإنس، وموضوع المناظرتين

صفحة رقم 239

واحد: وهو تبرؤ المتبوع من التابع، ولكن الشيطان كان أصدق في هذه المحاورة من الإنسان لأنه أعلن أن الله وعد الناس وعد الحق وهو البعث والجزاء على الأعمال، فوفى لهم بما وعدهم، وأما هو فوعد الناس بخلاف ذلك وأنه لا بعث ولا جزاء، فأخلف الوعد.
٤- قال الرازي عن آية إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي: هذه الآية تدل على أن الشيطان الأصلي هو النفس لأن الشيطان بيّن أنه ما أتى إلا بالوسوسة، فلولا الميل الحاصل بسبب الشهوة والغضب والوهم والخيال، لم يكن لوسوسته تأثير البتة، فدل هذا على أن الشيطان الأصلي هو النفس «١».
ومن المعلوم أن الملائكة والشياطين هي أجسام لطيفة، والله تعالى ركبها تركيبا عجيبا، ولا يستبعد أن تنفذ الأجرام اللطيفة في عمق الأجرام الكثيفة أي في بنية الإنسان.
٥- للظالمين عذاب أليم، لا مرد له، جزاء ظلمهم، أي كفرهم، فالعصيان والكفر باختيارهم وكسبهم.
٦- للمؤمنين المتقين جنات تجري من تحتها الأنهار، بأمر ربهم، ومشيئته وتيسيره، يحيون فيها بالسلام من الله تعالى، ومن الملائكة، وتكون تحية بعضهم بعضا هي السلام.
٧- كانت مواعيد الشيطان باطلة، ووعد الله هو الحق، واتبع الناس قول الشيطان بلا حجة ولا برهان، وتبرأ الشيطان منهم ومن عملهم، فليس لهم لوم عليه، إنما عليهم اللوم، وأيأسهم بأنه لا نصر عنده ولا عون ولا إغاثة، بل هو محتاج إلى من ينصره، وكفر بشركهم له في الدنيا، وهذا تنبيه لهم مما سيلقونه من العذاب.

(١) تفسير الرازي: ١٩/ ١١١ [.....]

صفحة رقم 240
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية