آيات من القرآن الكريم

مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ
ﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥ

الأدلة وقوة الحجج، وسطوع البراهين.
٢- بيان ما كان أهل الكفر يقابلون به رسل الله والدعاة إليه سبحانه وتعالى وما كانت الرسل ترد به عليهم.
٣- وجوب التوكل على الله تعالى، وعدم صحة التوكل على غيره إذ لا كافي إلا الله.
٤- وجوب الصبر على الأذى في سبيل الله وانتظار الفرج بأخذ الظالمين.
٥- عاقبة الظلم وهي الخسران والدمار لا تتبدل ولا تتخلف وإن طال الزمن.
وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)
شرح الكلمات:
واستفتحوا: أي طلب الرسل الفتح لهم أي النصر على أقوامهم الظالمين.
وخاب: أي خسر وهلك.

صفحة رقم 48

كل جبار عنيد: أي ظالم يجبر الناس على مراده عنيد كثير العناد.
من ماء صديد: أي هو ما يخرج سائلاً من أجواف أهل النار مختلطاً من قيح ودم وعرق.
يتجرعه ولا يكاد يسيغه: أي يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته ولا يقارب ازدراده لقبحه ومراراته.
ويأتيه الموت من كل مكان: أي لشدة ما يحيط به من العذاب فكل أسباب الموت حاصلة ولكن لا يموت.
أعمالهم كرماد: أي الصالحة منها كصلة الرحم وبر الوالدين وإقراء الضيف وفك الأسير والفاسدة كعبادة الأصنام بالذبح لها والنذر والحلف والعكوف حولها كرماد.
لا يقدرون مما كسبوا على شيء: أي لا يحصلون من أعمالهم التي كسبوها على ثواب وإن قل لأنها باطلة بالشرك.
وما ذلك على الله بعزيز: أي بصعب ممتنع عليه.
معنى الآيات:
هذا آخر حديث ما ذكر به موسى قومه من أنباء الأمم السابقة على بنى إسرائيل، قال تعالى في الإخبار عنهم: ﴿واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد﴾ أي واستفتح الرسل أي طلبوا من الله تعالى أن يفتح عليهم١ بنصر على أعدائه وأعدائهم واستجاب الله لهم، ﴿وخاب كل جبار عنيد١﴾ أي خسر وهلك كل ظالم طاغ معاند للحق وأهله، وقوله٢: ﴿من ورائه جهنم٣﴾ أي أمامه جهنم تنتظره سيدخلها بعد هلاكه ويعطش ويطلب الماء

١ كقولهم: ﴿ربنا افتح بينا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين﴾ قالها شعيب والمؤمنون معه، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو طالباً نصره وهزيمة أعدائه.
٢ العنيد: المعاند للحق، والجبار: المتعاظم الشديد التكبر، وقيل هو من يجبر الناس على مراده، وهو وصف مذموم لغير الله تعالى.
٣ لفظ وراء يطلق على ما كان خلفاً وما كان أماماً، لأنّ كل ما ووري أي: استتر فهو وراء. وقوله: ﴿من ورائه جهنم﴾ : صفة لجبار عنيد، والوراء مستعمل في معنى ما ينتظره ويحل به من بعد، قال الشاعر:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب
أي بعده.

صفحة رقم 49

فتسقيه الزبانية ﴿من ماء صديد١﴾ أي وهو صديد أهل النار وهو ما يخرج من قيح ودم وعرق، ﴿يتجرعه﴾ أي يبتلعه جرعة بعد أخرى لمرارته٢ ﴿ولا يكاد يسيغه﴾ أي يدخله جوفه الملتهب عطشاً لقبحه ونتنه ومرارته وحرارته، وقوله تعالى: ﴿ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت﴾ أي ويأتي هذا الجبار العنيد والذي هو في جهنم يقتله الظمأ فيسقى بالماء الصديد يأتيه الموت لوجود أسبابه وتوفرها من كل مكان إذ العذاب محيط به من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وما هو بميت لأن الله تعالى لم يشأ ذلك قال تعالى: ﴿لا يموت فيها ولا يحيا﴾ وقال: ﴿لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها﴾ ومن وراء ذلك العذاب الذي هو فيه ﴿عذاب﴾ أي لون آخر من العذاب ﴿غليظ﴾ أي شديد لا يطاق، وقوله تعالى: ﴿مثل٣ الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد٤ اشتدت به الريح في يوم عاصف﴾ أي من شديد هبوب الريح فيه ﴿لا يقدرون مما كسبوا﴾ أي من أعمال في الدنيا ﴿على شيء﴾ أي من الثواب والجزاء الحسن عليها، هذا مثل أعمالهم الصالحة كأنواع الخير والبر والطالحة كالشرك والكفر وعبادة غير الله مما كانوا يرجون نفعه، الكل يذهب ذهاب رماد حملته الريح وذهبت به، مشتدة في يوم عاصف شديد هبوب الريح فيه.
وقوله تعالى: ﴿ذلك هو الضلال البعيد﴾ أي ذلك الذي دل عليه المثل هو الضلال البعيد لمن وقع فيه إذ ذهب كل عمله سدى بغير طائل فلم ينتفع بشيء منه وأصبح من الخاسرين.
وقوله تعالى: ﴿ألم٥ تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق﴾ أي ألم تعلم أيها الرسول أن الله خلق السموات والأرض بالحق أي من أجل الإنسان ليذكر الله تعالى ويشكره فإذا تنكر لربه فكفر به وأشرك غيره في عبادته عذبه بالعذاب الأليم الذي تقدم

١ الصديد: المهلة، أي مثل الماء يسيل من الدمل ونحوه والتجرّع: تكلّف الجرع والجرع: بلع الماء.
٢ روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال قوله تعالى ﴿يسقى من ماء صديد يتجرّعه..﴾ قال: "يقرّب إلى فيه فيكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره.." الخ رواه الترمذي واستغربه.
٣ المثل: الحال العجيبة أي حال أعمالهم كرماد.
٤ الرماد: ما يبقى من احتراق الحطب والفحم، ضرب الله في هذه الآية مثلاً لأعمال الكفار في أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف.
٥ الرؤية هنا: رؤية القلب وهي العلمية.

صفحة رقم 50

وصفه في هذا السياق لأن الله تعالى لم يخلق السموات والأرض عبثاً وباطلاً بل خلقهما وخلق ما فيهما من أجل أن يذكر فيهما ويشكر فمن ترك الذكر والشكر عذبه أشد العذاب وأدومه وأبقاه، وقوله تعالى: ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أيها الناس المتمردون على طاعته المشركون به ﴿ويأت بخلق جديد١﴾ غيركم يعبدونه ويوحدونه ﴿وما ذلك على الله بعزيز﴾ أي بممتنع ولا متعذر لأن الله على كل شيء قدير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إنجاز وعد الله لرسله في قوله: ﴿فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين﴾ الآية.
٢- خيبة وخسران عامة أهل الشرك والكفر والظلم.
٣- عظم عذاب يوم القيامة وشدته.
٤- بطلان أعمال المشركين والكافرين وخيبتهم فيها إذ لا ينتفعون بشيء منها.
٥- عذاب أهل الكفر والشرك والظلم لازم لأنهم لم يذكروا ولم يشكروا والذكر والشكر علة الوجود كله فلما عبثوا بالحياة استحقوا عذاباً أبدياً.
وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (٢١) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ

١ أي: أفضل منكم وأطوع وما في التفسير أدل على المقصود.

صفحة رقم 51
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية