آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الرعد (١٣) : آية ٣٨]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً أي: مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم وهو ردّ لقولهم: لو كان نبيّا لكان من جنس الملائكة كما قالوا:
مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٧]، وإعلام، بأن ذلك سنة كثير من الرسل، فما جاز في حقهم لم لا يجوز في حقه؟ وقد قال تعالى له:
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ [الكهف: ١١٠]. وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي: ما صح له ولا استقام ولم يكن في وسعه أن يأتي بما يقترح عليه، إلا بإرادته تعالى في وقته، لأن الآيات معينة بإزاء الأوقات التي تحدث فيها، من غير تغيّر وتبدّل وتقدم وتأخّر. فأمرها منوط بمشيئته تعالى، المبنية على الحكم والمصالح التي عليها يدور أمر الكائنات لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ أي لكل وقت من الأوقات أمر مكتوب، فالشرائع معينة عند الله بحسب الأوقات، في كل وقت يأتي، بما هو صلاح ذلك الوقت، رسول من عنده. وكذا جميع الحوادث من الآيات. وغيرها فليس الأمر على إرادة الكفار واقتراحاتهم، بل على حسب ما يشاؤه تعالى ويختاره وفيه ردّ لاستعجالهم الآجال وإتيان الخوارق والعذاب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الرعد (١٣) : آية ٣٩]
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩)
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ أي: ينسخ ما يشاء نسخه من الشرائع لما تقتضيه الحكمة بحسب الوقت وَيُثْبِتُ أي: بدله ما فيه المصلحة، أو يبقيه على حاله غير منسوخ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أي: أصله.
قال الرازيّ: العرب تسمي كلّ ما يجري مجرى الأصل للشيء أُمّا له، ومنه أم الرأس للدماغ وأم القرى لمكة. وكل مدينة فهي أمّ لما حولها من القرى. فكذلك أم الكتاب هو الذي يكون أصلا لجميع الكتب. روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ. وما يبدل وما

صفحة رقم 290

يثبت. كل ذلك في كتاب. وعن قتادة: أن هذه الآية كقوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها الآية.
تنبيه:
تمسّك جماعة بظاهر قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ فقالوا: إنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ. قالوا: يمحو الله من الرزق ويزيد فيه.
وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر.
قال الرازيّ: هو مذهب عمر وابن مسعود. والقائلون بهذا القول كانوا يدعون ويتضرعون إلى الله تعالى في أن يجعلهم سعداء لا أشقياء. انتهى.
أشار بذلك إلى آثار أخرجها ابن جرير عن عمر وابن مسعود. وليس في الصحيح شيء منها.
ظهر لي في دمّر في ١٢ ربيع الأول سنة ١٣٢٤:
إنّ ما يستدل به الكثير من الآيات لمطلب ما، أن يدقق النظر فيه تدقيقا زائدا، فقد يكون سياق الآية لأمر لا يحتمل غيره، ويظنّ ظانّ أنه يستدل بها في بحث آخر، وقد يؤكده ما يراه من إطباق كثير من أرباب التصانيف على ذلك وإنما المدار على فهم الأسلوب والسياق والسباق.
خذ لك مثلا قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ فكم ترى من يستدل بها على العلم المعلّق، ومحو ما في اللوح الذي يسمونه (لوح المحو والإثبات) ويوردون من الإشكالات والأجوبة ما لا يجد الواقف عليه مقنعا ولا مطمأنا.
مع أنّ هذه الآية، لو تمعّن فيها القارئ، لعلم أنها في معنى غير ما يتوهمون.
وذلك أنهم كانوا يقترحون على رسول الله ﷺ في أوائل البعثة، أن يأتي بآية كآية موسى وعيسى. توهما أن ذلك هو أقصى ما يدل على نبوة النبيّ في كل زمان ومكان فأعلمهم الله تعالى أنّ دور تلك الآيات الحسّيّة انقضى دورها وذهب عصرها. وقد استعدّ البشر للتنبّه إلى الآية العقلية وهي آية الاعتبار والتبصّر. وإن تلك الآيات محيت كما محي عصرها. وقد أثبت تعالى غيرها ممّا هو أجلى وأوضح وأدلّ على الدعوة. وهو قوله تعالى قبلها: وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ. يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

صفحة رقم 291
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية