
«وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ» : أي ولئن وافقتهم، ولم تعتصم بالله، ووقعت على قلبك حشمة من غير الله- فمالك من واق من الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٨]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨)
أي أرسلنا رسلا من قبلك إلى قومهم، فلم يكونوا إلا من جنسك، وكما لكم أزواج وذرية كانت لهم أزواج وذرية، ولم يكن ذلك قادحا فى صحة رسالتهم، ولا تلك العلاقات كانت شاغلة لهم.
ويقال إن من اشتغل بالله فكثرة العيال وتراكم الأشغال لا تؤثر فى حاله ولا يضره ذلك.
قوله جل ذكره: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ.
أي لكل شىء أجل مثبت فى كتاب الله وهو المحفوظ، وله وقت قسم له، وأنه لا اطلاع لأحد على علمه، ولا اعتراض لأحد على حكمه.
قوله جل ذكره:
[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٩]
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩)
المشيئة لا تتعلق بالحدوث، والمحو والإثبات متصلان بالحدوث.
فصفات ذات الحق- سبحانه- من كلامه وعلمه، وقوله وحكمه لا تدخل تحت المحو والإثبات، وإنما يكون المحو والإثبات من صفات فعله المحو يرجع إلى العدم، والإثبات إلى الإحداث، فهو يمحو من قلوب الزّهاد حب الدنيا ويثبت بدله الزهد فيها، كما فى خبر حارثة: «عزفت نفسى عن الدنيا فاستوى عندى حجرها وذهبها» «١».

ويمحو عن قلوب العارفين الحظوظ، ويثبت بدلها حقوقه تعالى، ويمحو عن قلوب الموحّدين شهود غير الحق ويثبت بدله شهود الحق، ويمحو آثار البشرية ويثبت أنوار شهود الأحدية.
ويقال يمحو العارفين عن شواهدهم، ويثبتهم بشاهد الحق.
ويقال يمحو العبد عن أوصافه ويثبته بالحقّ فيكون محوا عن الخلق مثبتا بالحق للحق.
ويقال يمحو العبد فلا يجرى عليه حكم التدبير، ويكون محوا بحسب جريان أحكام التقدير، ويثبت سلطان التصديق والتقليب بإدخال ما لا يكون فيه اختيار عليه على ما يشاء.
ويقال يمحو عن قلوب الأجانب ذكر الحق، ويثبت بدله غلبات الغفلة وهواجم النسيان.
ويقال يمحو عن قلوب أهل الفترة ما كان يلوح فيها من لوامع الإرادة، ويثبت بدلها الرجوع إلى ما خرجوا عنه من أحكام العادة.
ويقال يمحو أو ضار الزّلّة عن نفوس العاصين، وآثار العصيان عن ديوان المذنبين (ويثبت) «١» يدل ذلك لوعة النّدم، وانكسار الحسرة، والخمود عن متابعة الشهوة.
ويقال يمحو عن ذنوبهم السيئة، ويثبت بدلها الحسنة، قال تعالى: «فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ».
ويقال يمحو الله نضارة الشباب ويثبت ضعف المشيب.
ويقال يمحو عن قلوب الراغبين فى مودة أهل الدنيا ما كان يحملهم على إيثار صحبتهم، ويثبت بدلا منه الزهد فى صحبتهم والاشتتغال بعشرتهم.
ويقال يمحو الله ما يشاء من أيام صفت من الغيب «٢»، وليال كانت مضاءة بالزلفة والقربة ويثبت بدلا من ذلك أياما هى أشدّ ظلاما من الليالى الحنادس «٣»، وزمانا يجعل سعة الدنيا عليهم محابس.
(٢) من (الغيب) يكون المعنى أن الأيام التي كانت تمنح لهم من الغيب صافية، ولكننا لا نستبعد أنها قد تكون (الغيم) على معنى خلو تلك الأيام من كل كدورة بدليل المقابلة التي وردت فيما بعد.
(٣) جمع حندس أي شديد السواد.