
وخلق الله (سبحانه)، فجعلتموها شركاء لله من أجل ذلك.
ثم قال (تعالى): ﴿قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾: (أي: قل لهم يا محمد: إذا أقروا أن أوثانهم لا تخلق: فالله، ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾)، فهو أحق بالعبادة ممن لا يخلق، ولا يضر، ولا ينفع.
﴿وَهُوَ الواحد القهار﴾: أي: " الفرد الذي لا ثاني له "، ﴿القهار﴾: أي: (القهار) بقدرته كل شيء، ولا يقهره شيء.
قوله (تعالى): ﴿أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ إلى قوله ﴿وَبِئْسَ المهاد﴾: هذا مثل ضربه الله تعالى (جل ذكره) للحق والباطل، والإيمان به والكفر. فالمعنى: مثل الحق في ثباته، (والكفر) في اضمحلاله مثل ماء أنزله الله،

﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾: (أي: فاجتمعت الأودية، الماء بقدر مثلها الكبير بكبره، والصغير بصغره.
﴿فاحتمل السيل زَبَداً﴾: أي: " عالياً على الماء ".
فهذا أحد مثلي الحق والباطل. فأما النافع / فهو الحق، والزبد: الرائب الذي لا ينفع هو الباطل.
وتحقيق معنى هذا المثل: أن الماء المنزل مَثَلٌ للقرآن المنزل.
فالماء يعم نفعه كل أرض طيبة، والقرآن يعم نفعه كل قلب طيب، والأودية مثل للقلوب، لأن الأودية يستكن فيها الماء. كذلك والإيمان والقرآن يستكنان في

قلوب المؤمنين. والسيل مثل للأهواء العارضة في القلوب، لأن الهزى يغلب على القلوب، كما يغلب السيل بما حمل من الماء وغيره. والزبد مثل للباطل، وما يستقر من الماء الخالص (مثل لما يستقر في قلب المؤمن من الإيمان، فينتفع بذلك كما تنتفع الأرض بما يستقر من الماء الخالص) فيها. ومثله المثل الثاني: ما يتحصل من جيد الذهب، والفضة، والحديد والنحاس مَثَلٌ لما يستقر في قلب المؤمن من الإيمان.
ثم ضرب مثلاً آخر أيضاً للحق والباطل، فقال: ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار﴾ إلى آخر المثل: أي: والحق والباطل كمثل فضة، أو ذهب، أو نحاس، يوقد عليه النس في النار، في طلب حلية يتخذونها، أو متاع. وذلك من النحاس: وهي الأواني التي تتخذ منه، (و) من الرصاص والحديد فيكون له

زبداً، مثل زبد السيل، وزبده: خبثه الذي لا ينتفع به، فالذي يُصَفّى من هذه الأشياء هو مثل الحق ينتفع بهما. والخبث مثل الباطل لا ينتفع بهما، ثم بين لنا، في أي (شيء) ضربت هذه الأمثال فقال:
﴿كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل﴾: أي: يضرب مثل الحق والباطل، ثم حذف المضاف. " والحق ": الإيمان، و " الباطل ": الكفر: وكما أن زيد السيل، وخبث ما يوقد عليه في النار لا ينتفع به، كذلك لا ينتفع الكافر بعمله عند حاجته إليه. وكما ينتفع بالماء، وبما يوقد عليه في النار، كذلك ينتفع المؤمن بإيمانه عند حاجته إليه.
وقوله: ﴿فَيَذْهَبُ جُفَآءً﴾: أي: يذهب بدفع الريح، وقذف الماء به. فيتعلق في جوانب الوادي، وبالأشجار. وهو من: أَجْفَأتِ القدر: إذا رمت بزبدها، وهو الغشاء: فيقول: إن الباطل، وإن ظهر على الحق في بعض الأشياء

وعلا، يتمحق، ويذهب. وتكون العاقبة للحق. كما أن هذا الزبد، وإن علا (على الماء)، فإنه يذهب ويتمحق، وكذلك الخبث من الحديد، وغيره وإن علا فإنه يذهب ويتمحق، ويطرحه الكير، ويبقى من الماء وغيره ما ينتفع به.
كذلك يبقى الحق ويثبت " هذا (كله) معنى قول ابن عباس، وتفسيره (رحمة الله عليه) قال: " هو مَثَلٌ ضربه الله للناس عند نزول القرآن، فاحتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها. فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينتفع به.
(فالزبد): الشك في الله، (والذي يمكث في الأرض): اليقين.
وروي (عنه) أنه قال: هو مثل ضرب (هـ) الله للعمل الصالح، والعمل السوء: فالصالح كالماء الذي يمكث في الأرض، ينتفع به / الناس كذلك ينتفع

أصحاب العمل الصالح به في الآخرة، ما تحت الخبث من الرصاص، والحديد، والذهب ينتفع به، مثل العمل الصالح.
وأما الزبد منها فلا ينتفع به، كما لا ينتفع أصحاب العمل السوء (بعملهم).
وقرأ رُؤبة: " فيذهب جُفالاً ". يقال: جفأت الريح السحاب: إذا قطعته،

وأذهبته.
ثم قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى﴾ أي: (الحسنى) للذين آمنوا حين دعوا إلى الإيمان الحسنى، وهي الجنة، قاله قتادة.
وقيل: المعنى: جزاء الحسنى ﴿والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ﴾ أي: لم يؤمنوا حين دعوا أن لهم ملك ما في الأرض، ومثله معه ما قبل منهم فداء لهم من العقوبة.
ومعنى: ﴿أولئك لَهُمْ سواء الحساب﴾ " يأخذهم بذنوبهم كلها، فلا يغفر لهم منها شيئاً.
قال شهر بن حوشب: سوء الحساب: ألا يتجاوز لهم عن شيء.
وقال ابن عباس: سو الحساب، المناقشة بالأعمال.
وقال ابن وهب: عن إبراهيم النخعي أنه قال: سوء الحساب: أن يحاسب بذنبه

ثم لا يغفر له.
وروي في الآثار: من نوقش الحساب هلك.
وقيل: سوء الحساب: المناقشة، والتوبيخ (وإحباط) الحسنات بالسيآت. وقيل: سوء الحساب: أشده، وهو لا يغفر لهم شيئاً من ذنوبهم، وهم الكفار ومعنى ﴿وَبِئْسَ المهاد﴾: أي: بئس الفراش، والغطاء جهنم لمن هي مأواه.
وعن النبي ﷺ: ( من نوقش الحساب هلك) (أو