آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ

وإذا تصبك خصاصة فتحمل وَما لَهُمْ اى لمن أراد تعالى هلاكه مِنْ دُونِهِ سوى الله تعالى مِنْ والٍ ممن يلى أمرهم ويدفع عنهم السوء. والوالي من اسماء الله تعالى وهو من ولى الأمور وملك الجمهور والولاية تنفيذ القول على الغير شاء الغير او ابى وفيه دليل على ان خلاف مراد الله محال فانه المتفرد بتدبير الأشياء المنفذ للتدبير ولا معقب لحكمه هُوَ تعالى وحده الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ هو الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا إذا لمع خَوْفاً اى ارادة خوف او اخافة من الصاعقة وخراب البيوت وَطَمَعاً اى ارادة طمع او اطماعا فى الغيث ورجاء بركته وزوال المشقة والمطر يكون، لبعض الأشياء ضررا ولبعضها رحمة فيخاف منه المسافر ومن فى خزينته التمر والزبيب ومن له بيت لا يكف ويطمع فيه المقيم واهل الزرع والبساتين ومن البلاد ما لا ينتفع اهله بالمطر كاهل مصر فان انتفاعهم انما هو بالنيل وبالمطر يحصل الوطر وفيه اشارة الى ان فى باطن جمال الله تعالى جلالا وفى باطن جلاله جمالا وأسند الاراءة الى ذاته لانه الخالق فى الابصار نورا يحصل به الرؤية للخلائق وهذه الاراءة اما متعلقة بعالم الملك وهى ظاهرة واما متعلقة بعالم الملكوت فمعناها ان الله تعالى إذا ارى السائر برقا من لمعان أنوار الجلال يغلب عليه خوف الانقطاع واليأس وإذا أراه برقا من تلألؤ أنوار الجمال يغلب عليه الرجاء والاستثناء وَيُنْشِئُ السَّحابَ اى يبتدئ إنشاء السحاب اى خلقه وفيه دلالة على ان السحاب يعدمه الله تعالى ثم يخلقه جديدا والسحاب اسم جنس والواحدة سحابة ولذا وصف بقوله الثِّقالَ بالماء جمع واختلف فى ان الماء ينزل من السماء الى السحاب او يخلقه الله فى السحاب فيمطر وفى حواشى ابن الشيخ السحاب جسم مركب من اجزاء رطبة مائية ومن اجزاء هوائية وهذه الاجزاء المائية المشوبة بالاجزاء الهوائية انما حدثت وتكونت فى جو الهواء بقدرة المحدث القادر على ما شاء والقول بان تلك الاجزاء تصاعدت من الأرض فلما وصلت الى الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت فرجعت الى الأرض باطل لان الأمطار مختلفة فتارة تكون قطراتها كبيرة وتارة تكون صغيرة وتارة متقاربة وتارة متباعدة وتارة تدوم زمانا طويلا وتارة لا تدوم فاختلاف الأمطار فى هذه الصفات مع ان طبيعة الأرض واحدة وكذا طبيعة الشمس المسخنة للبخارات واحدة لا بد ان يكون بتخصيص الفاعل المختار وايضا فالتجربة دلت على ان للدعاء والتضرع فى نزول الغيث اثرا عظيما ولذلك كان صلاة الاستسقاء مشروعة فعلمنا ان المؤثر فيه هو قدرة الفاعل لا الطبيعة والخاصية يقول الفقير ان المردود هو اسناد الحوادث الى الكون من غير ملاحظة تأثير الله تعالى فيها واما إذا أسندت الى الأسباب مع ملاحظة المسبب فهو مقبول لان هذا العالم عالم الأسباب والحكمة وما هو ادخل فى القدرة الالهية فهو اولى بالاعتبار وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ اختلف العلماء فنه والتحقيق انه اسم ملك خلق من نور الهيبة الجلالية والرعد صوته الشديد ايضا يسوق السحاب بصوته كما يسوق الحادي الإبل بحدائه فاذا سبح أوقع الهيبة على الخلق كلهم حتى الملائكة يقول الفقير لعل الرعد صوت ذلك الملك واسناد التسبيح الى صوته لكمال فيه بِحَمْدِهِ فى موقع الحال اى حامدين له وملتبسين

صفحة رقم 352

بحمده [يعنى تسبيح را با تحميد مقترن ميسازد] فيصيح سبحان الله والحمد لله وفى الحديث (البرق والرعد وعيد لاهل الأرض فاذا رأيتموه فكفوا عن الحديث وعليكم بالاستغفار) وإذا اشتد الرعد قال عليه السلام (لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك) وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ من عطف العام على الخاص اى ويسبح الملائكة من خوف الله وخشيته وهيبته وجلاله وذلك لانه إذا سبح الرعد وتسبيحه ما يسمع من صوته لم يبق ملك الا رفع صوته بالتسبيح فينزل القطر والملائكة خائفون من الله وليس خوفهم كخوف ابن آدم فانه لا يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره ولا يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شىء أصلا وعن ابن عباس رضى الله عنهما من سمع الرعد فقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شىء قدير فاصابته صاعقة فعلىّ ديته وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ جمع صاعقة
وهى نار لا دخان لها تسقط من السماء وتتولد فى السحاب وهى أقوى نيران هذا العالم فانها إذا نزلت من السحاب فربما غاصت فى البحر وأحرقت الحيتان تحت البحر وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان اليهود سألت النبي عليه السلام عن الرعد ما هو فقال (ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله) قالوا فما الصوت الذي يسمع (قال زجره السحاب فاذا شدت سحابة ضمها وإذا اشتد غضبه طارت من فيه نار هى الصاعقة) والمخاريق جمع مخراق وهو فى الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا والمراد به هاهنا آلة يسوق بها الملك السحاب فَيُصِيبُ بِها الباء للتعدية. والمعنى بالفارسية [پس ميرساند آنرا] مَنْ يَشاءُ أصابته فيهلكه والصاعقة تصيب المسلم وغيره ولا تصيب الذاكر يقول الفقير لعل وجهه ان الصاعقة عذاب عاجل ولا يصيب الا الغافل واما الذاكر فهو مع الله ورحمته وبين الغضب والرحمة تباعد وقولهم تصيب المسلم بشير الى ان المصاب بالصاعقة على حاله من الايمان والإسلام ولا اثر لها فيه كما فى اعتقاد بعض العوام وَهُمْ اى هؤلاء الكفار مع ظهور هذه الدلائل يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ حيث يكذبون رسوله فيما يصفه به من العظمة والتوحيد والقدرة التامة والجدال التشدد فى الخصومة من الجدل وهو الفتل وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ اى شديد المكر والكيد لاعدائه يهلكم من حيث لا يحتسبون من محل بفلان إذا كاده وسعى به الى السلطان ومنه تمحل لكذا إذا تكلف فى استعمال الحيلة واجتهد فيه قال فى اسباب النزول ان رسول الله عليه السلام بعث رجلا مرة الى رجل من فراعنة العرب قال (فاذهب فادعه لى) فقال يا رسول الله انه أعتى من ذلك قال (فاذهب فادعه لى) قال فذهبت اليه فقلت يدعوك رسول الله فقال وما الله أمن ذهب هو أمن فضة او من نحاس قال الراوي وهو انس فرجع الى رسول فاخبره وقال قد أخبرتك انه أعتى من ذلك قال لى كذا وكذا قال (فارجع اليه الثانية فادعه) فرجع اليه فاعاد عليه مثل الكلام الاول ورجع الى النبي عليه السلام فاخبره فقال (ارجع اليه) فرجع اليه الثالثة فاعاد عليه مثل ذلك الكلام فبينما هو يكلمه إذ بعث الله سحابة حيال رأسه فرعدت فوقع منها صاعقه فذهبت بقحف رأسه فانزل الله تعالى وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ وقال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت هذه

صفحة رقم 353

الآية والتي قبلها فى عامر بن الطفيل وأريد بن قيس وهو أخو لبيد بن ربيعة الشاعر لامه وذلك انهما أقبلا يريدان رسول الله ﷺ فقال رجل من أصحابه يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد اقبل نحوك فقال (دعه فان يرد الله به خيرا يهده) فاقبل حتى قام عليه قال يا محمد مالى ان أسلمت قال (لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم) قال تجعل لى الأمر بعدك قال (لا ليس ذلك الىّ انما ذاك الى الله تعالى يجعله حيث شاء) قال اسلم على ان لك المدر ولى الوبر يعنى لك ولاية القرى ولى ولاية البوادي قال (لا) قال فماذا تجعل لى قال (اجعل لك اعنة الخيل تغزو عليها) قال او ليس ذلك الىّ اليوم وكان اوصى الى اربد إذا رأيتنى أكلمه قدر من خلفه فاضربه بالسيف فجعل يخاصم رسول الله ﷺ ويراجعه فدار اربد خلفه عليه السلام ليضربه فاخترط من سيفه شبرا تم حبسه الله فلم يقدر على سله وجعل عامر يومى اليه فالتفت رسول الله فرأى اربد وما يصنع بسيفه فقال (اللهم اكفنيهما بما شئت) فارسل الله على اربد صاعقة فى يوم صائف صاحى فاحرقته وولى عامرها ربا فقال يا محمد دعوت ربك فقتل اربد والله لا ملأن عليك الأرض رجالا الفا أشعر والفا امر دفقال عليه السلام (يمنعك الله من ذلك وأبناء قبيلة) يريد الأوس والخزرج فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم اليه سلاحه وخرج وهو يقول واللات لئن أصحر محمد الىّ وصاحبه يعنى ملك الموت لا نفذنهما برمحى

صعوه كاو با عقاب سازد جنگ دهد از خون خود پرش را رنگ
فلما رأى الله ذلك منه أرسل ملكا فلطمه بجناحه فاذراه بالتراب وخرجت على ركبته غدة فى الوقت عظيمة
فعاد الى بيت السلولية وهو يقول غدة كغدة البعير وموت فى بيت سلولية ثم مات على ظهر فرسه فانزل الله تعالى فى هذه القصة قوله سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ حتى بلغ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ فالواو فى قوله وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ على هذا للحال اى يصيب بالصاعقة من يشاء فى حال جداله فى الله فان أريد وكذا فرعون العرب فى الرواية الاولى لما جادل فى الله أحرقته الصاعقة. وقوله غدة كغدة البعير اى أصابتني غدة كغدة البعير وموت فى بيت سلولية وسلول قبيلة من العرب أقلهم وأرذلهم قال قائل فى حقهم
الى الله أشكو إنني بت طاهرا فجاء سلولى فبال على نعلى
فقلت اقطعوها بارك الله فيكمو فانى كريم غير مدخلها رجلى
كأن عامرا يقول ابتليت بامرين كل واحد منهما شر من الآخر أحدهما ان غدتى غدة مثل غدة البعير وان موتى موت فى بيت أرذل الخلائق والغدة الطاعون للابل وقلما يسلم منه يقال اغد البعير اى صار ذا غدة وهى طاعونه وفى الآية اشارة الى ان اهل الجدال فى ذات الله وفى صفاته مثل الفلاسفة والحكماء اليونانية الذين لم يتابعوا الأنبياء وما آمنوا بهم وتابعوا العقل دون ادلة السمع. وبعض المتكلمين من اهل الأهواء والبدع هم الذين أصابهم صواعق القهر واحترقت استعداداتهم فى قبول الايمان فظلوا يجادلون فى الله هل هو فاعل مختار او موجب بالذات لا بالاختيار ويجادلون فى صفات الله هل لذاته صفات قائمة به او هو قادر بالذات ولا صفات له ومثل هذه الشبهات المكفرة المضلة عن سبيل الرشاد والله تعالى شديد العقوبة والاخذ لمن جادل فيه

صفحة رقم 354
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية