آيات من القرآن الكريم

ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ

حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي، بِالْخُرُوجِ منها يدعوني، أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي، بِرَدِّ [١] أَخِي إِلَيَّ أَوْ بِخُرُوجِي وَتَرْكِ أَخِي.
وَقِيلَ: أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بِالسَّيْفِ فَأُقَاتِلُهُمْ وَأَسْتَرِدُّ أَخِي، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ، أَعْدَلُ مَنْ فصل بين الناس.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨١ الى ٨٣]
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣)
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ، يَقُولُ الْأَخُ الْمُحْتَبِسُ بِمِصْرَ لِإِخْوَتِهِ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ، فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ، بنيامين، سَرَقَ، وقرأ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ [سُرِّقَ] [٢] بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا، يَعْنِي: نُسِبَ إِلَى السَّرِقَةِ، كَمَا يُقَالُ خَوَّنْتُهُ أَيْ نَسَبْتُهُ إِلَى الْخِيَانَةِ، وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا، يَعْنِي: مَا قُلْنَا هَذَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا فَإِنَّا رَأَيْنَا إِخْرَاجَ الصواع مِنْ مَتَاعِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَا شهدنا إلّا بما علمنا أَيْ مَا كَانَتْ مِنَّا شَهَادَةٌ فِي عُمْرِنَا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ شَهَادَةٌ مِنَّا إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ صَنِيعِ ابْنِكَ بِزَعْمِهِمْ. وَقِيلَ: قَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا يَدْرِي هَذَا الرَّجُلُ أَنَّ السَّارِقَ يُؤْخَذُ بِسَرِقَتِهِ إِلَّا بِقَوْلِكُمْ، فَقَالُوا: مَا شَهِدْنَا عِنْدَ يُوسُفَ بِأَنَّ السَّارِقَ يُسْتَرَقُّ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا، وكان الحكم ذلك عند يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ. وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: مَا كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَكَ سَيَسْرِقُ ويصير أمرنا إلى هذا، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا مِمَّا لنا إلى حفظه من سَبِيلٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا كُنَّا لِلَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَمَجِيئِهِ وَذَهَابِهِ حَافِظِينَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ فَلَعَلَّهَا دُسَّتْ بِاللَّيْلِ في رحله.
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها، أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَهِيَ مِصْرُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى مِصْرَ كَانُوا ارْتَحَلُوا مِنْهَا إِلَى مِصْرَ. وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها، أَيِ: الْقَافِلَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا. وَكَانَ صَحِبَهُمْ قَوْمٌ مِنْ كَنْعَانَ مِنْ جِيرَانِ يَعْقُوبَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَرَفَ الْأَخُ الْمُحْتَبِسُ بِمِصْرَ أَنَّ إِخْوَتَهُ أَهْلَ تُهْمَةٍ عند أبيهم لما كانوا يصنعوا فِي أَمْرِ يُوسُفَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يقولوا هذه المقالة لِأَبِيهِمْ، وَإِنَّا لَصادِقُونَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَجَازَ يُوسُفُ أَنْ يَعْمَلَ مثل هذا بأبيه ولم يخبر بِمَكَانِهِ وَحَبَسَ أَخَاهُ مَعَ عِلْمِهِ بشدّة وجد أبيه عليه؟ وقيل:
معنى العقوق: قطيعة الرَّحِمِ وَقِلَّةِ الشَّفَقَةِ؟ قِيلَ: قَدْ أكثر الناس فيه [من الأقوال] [٣]. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الله سبحانه وتعالى، وأمره به لِيَزِيدَ فِي بَلَاءِ يَعْقُوبَ فَيُضَاعِفَ لَهُ الْأَجْرَ وَيُلْحِقَهُ فِي الدَّرَجَةِ بِآبَائِهِ الْمَاضِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ نَفْسَهُ لِإِخْوَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُدَبِّرُوا فِي أَمْرِهِ تَدْبِيرًا فَيَكْتُمُوهُ عَنْ أَبِيهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ، زيّنت، أَنْفُسُكُمْ أَمْراً، فيه اخْتِصَارٌ مَعْنَاهُ: فَرَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ وَذَكَرُوا لِأَبِيهِمْ مَا قَالَ كَبِيرُهُمْ، فَقَالَ يَعْقُوبُ: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً، أَيْ: حُمِلَ أَخِيكُمْ إِلَى مِصْرَ لِطَلَبِ نَفْعٍ عَاجِلٍ، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً، يَعْنِي: يُوسُفَ وَبِنْيَامِينَ وَأَخَاهُمُ الْمُقِيمَ بِمِصْرَ، إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ، بِحُزْنِي وَوَجْدِي عَلَى فَقْدِهِمْ، الْحَكِيمُ، فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٤ الى ٨٦]
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٦)

(١) في المطبوع «يرد» والمثبت عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.

صفحة رقم 508

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بلغه خبر بنيامين تناهى [١] حزنه وبلغ جهده، وهيج حُزْنُهُ عَلَى يُوسُفَ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ، وَقالَ يَا أَسَفى، يَا حُزْنَاهْ، عَلى يُوسُفَ، وَالْأَسَفُ أَشَدُّ الْحُزْنِ، وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ، يعني: عَمِيَ بَصَرُهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمْ يُبْصِرْ بِهِمَا سِتَّ سِنِينَ، فَهُوَ كَظِيمٌ، أَيْ: مَكْظُومٌ مَمْلُوءٌ مِنَ الْحُزْنِ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ لَا يَبُثُّهُ. قال قتادة: تردّد حُزْنَهُ فِي جَوْفِهِ وَلَمْ يَقُلْ إلّا خيرا. وقال الْحَسَنُ: كَانَ بَيْنَ خُرُوجِ يُوسُفَ مِنْ حِجْرِ أَبِيهِ إِلَى يَوْمِ الْتَقَى مَعَهُ ثَمَانُونَ عَامًا لَا تَجِفُّ عَيْنَا يَعْقُوبَ وَمَا عَلَى وجه الأرض أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ يَعْقُوبَ [عليه الصّلاة والسّلام].
قالُوا، يَعْنِي: أَوْلَادَ يَعْقُوبَ، تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ، أَيْ: لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ، لَا تَفْتُرُ مِنْ حبه، يقال: ما فتىء يَفْعَلُ كَذَا، أَيْ: مَا زَالَ يفعل، وَ (لَا) مَحْذُوفَةٌ مِنْ قَوْلِهِ: تَفْتَؤُا، يقال:
ما فتىء يَفْعَلُ كَذَا، أَيْ: مَا زَالَ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَقُلْتُ يَمِينُ الله أبرح قاعدا وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي
أَيْ: لَا أَبْرَحُ. حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دفنا. قال مُجَاهِدٌ: الْحَرَضُ مَا دُونَ الْمَوْتِ، يَعْنِي: قَرِيبًا مِنَ الْمَوْتِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاسِدًا لَا عَقْلَ لَكَ، وَالْحَرَضُ: الَّذِي فَسَدَ جِسْمُهُ وَعَقْلُهُ.
وَقِيلَ: ذَائِبًا مِنَ الْهَمِّ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: حَتَّى تَكُونَ دَنِفَ الْجِسْمِ مَخْبُولَ الْعَقْلِ. وَأَصْلُ الْحَرَضِ: الْفَسَادُ فِي الْجِسْمِ، وَالْعَقْلِ مِنَ الحزن والهرم، أو العشق أو الهمّ، يُقَالُ: رَجُلٌ حَرَضٌ وَامْرَأَةٌ حَرَضٌ، وَرَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ حَرَضٌ، وَرِجَالٌ وَنِسَاءٌ كَذَلِكَ، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وضع موضع [الحال و] [٢] الِاسْمِ. أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ، أي: من الميّتين.
لَ
يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ذَلِكَ لما رأى غلظتهم: نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
، وَالْبَثُّ أَشَدُّ الْحُزْنِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يبثّه [٣] أي يظهره، وقال الحسن: بثي أي:
حاجتي. وروي أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَعْقُوبَ جَارٌ له فقال [لَهُ] [٤] : يَا يَعْقُوبُ مَا الَّذِي غيّر حالك ما لي أَرَاكَ قَدْ تَهَشَّمْتَ وَفَنِيتَ وَلَمْ تَبْلُغْ مِنَ السِّنِّ مَا بَلَغَ أَبُوكَ؟ قَالَ: هَشَّمَنِي وَأَفْنَانِي مَا ابْتَلَانِي اللَّهُ بِهِ مِنْ هَمِّ يُوسُفَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا يَعْقُوبُ أَتَشْكُونِي إِلَى خَلْقِي؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ خَطِيئَةٌ أَخْطَأْتُهَا فَاغْفِرْهَا لِي، فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا سُئِلَ قَالَ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا يَعْقُوبُ مَا الَّذِي أذهب بصرك وقوّس [٥] ظهرك؟ فقال: أَذْهَبَ بَصَرِي بُكَائِي [٦] عَلَى يُوسُفَ، وَقَوَّسَ [٧] ظَهْرِي حُزْنِي عَلَى أَخِيهِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَتَشْكُونِي فَوَعِزَّتِي [٨] وَجَلَالِي لَا أَكْشِفُ مَا بِكَ حتى تدعوني، فعند ذلك قَالَ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله، فأوحى اللَّهُ إِلَيْهِ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَوْ كَانَا مَيِّتَيْنِ لَأَخْرَجْتُهُمَا لَكَ، وَإِنَّمَا وَجَدْتُ عَلَيْكُمْ لِأَنَّكُمْ ذَبَحْتُمْ شَاةً فَقَامَ بِبَابِكُمْ مسكين فلم تطعموه منها شيء، وَإِنَّ أَحَبَّ خَلْقِي إِلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْمَسَاكِينُ فَاصْنَعْ طَعَامًا وَادْعُ إِلَيْهِ الْمَسَاكِينَ، فَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُفْطِرِ الليلة
(١) في المخطوط «فقام» وفي ط «تتام».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «يثبته» والمثبت عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) في المخطوط «أحنى».
(٦) في المخطوط «حزني».
(٧) في المخطوط «وأقوص».
(٨) في المخطوط «وعزتي».

صفحة رقم 509

عِنْدَ آلِ يَعْقُوبَ. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَغَدَّى أَمَرَ مَنْ يُنَادِي: مَنْ أَرَادَ الْغَدَاءَ فَلْيَأْتِ يَعْقُوبَ، وَإِذَا أَفْطَرَ أَمَرَ مَنْ يُنَادِي: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيَأْتِ يَعْقُوبَ: فَكَانَ يَتَغَدَّى وَيَتَعَشَّى مَعَ الْمَسَاكِينِ. وَعَنْ وهب بن منبه قال: لما أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى يَعْقُوبَ: أَتَدْرِي لِمَ عَاقَبْتُكَ وَحَبَسْتُ عَنْكَ يُوسُفَ ثَمَانِينَ سَنَةً؟ قَالَ: لَا [يَا إِلَهِي قَالَ] [١] : لِأَنَّكَ قَدْ شَوَيْتَ عَنَاقًا وَقَتَرْتَ عَلَى جَارِكَ، وَأَكَلْتَ وَلَمْ تُطْعِمْهُ.
وَرُوِيَ: أَنَّ سَبَبَ ابْتِلَاءِ يَعْقُوبَ أَنَّهُ ذَبَحَ عِجَلًا بَيْنَ يَدَيْ أُمِّهِ وَهِيَ تَخُورُ.
وَقَالَ وَهْبٌ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا: أتى جبريل إلى يوسف في السجن فقال [له] [٢] : هَلْ تَعْرِفُنِي أَيُّهَا الصِّدِّيقُ؟ قَالَ: أَرَى صُورَةً طَاهِرَةً وَرِيحًا طَيِّبَةً، قَالَ: إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنَا الرُّوحُ الْأَمِينُ، قَالَ: فَمَا أَدْخَلَكَ مَدْخَلَ الْمُذْنِبِينَ وَأَنْتَ أَطْيَبُ الطَّيِّبِينَ وَرَأْسُ الْمُقَرَّبِينَ وَأَمِينُ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ يَا يُوسُفُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُطَهِّرُ الْبُيُوتَ بِطُهْرِ النَّبِيِّينَ، وَأَنَّ الْأَرْضَ التي يدخلونها هي أطهر الأراضين، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ طَهَّرَ بِكَ السِّجْنَ وَمَا حَوْلَهُ يَا طاهر الطَّاهِرَيْنِ وَابْنَ الصَّالِحِينَ الْمُخْلِصِينَ، قَالَ: كيف لِي بِاسْمِ الصِّدِّيقِينَ وَتَعُدُّنِي مِنَ الْمُخْلَصِينَ الطَّاهِرِينَ، وَقَدْ أُدْخِلْتُ مُدْخَلَ الْمُذْنِبِينَ وَسُمِّيتُ بِاسْمِ الْفَاسِقِينَ؟ قَالَ جبريل: لأنه لم يفتتن قَلْبُكَ وَلَمْ تُطِعْ سَيِّدَتَكَ فِي مَعْصِيَةِ رَبِّكَ لِذَلِكَ سَمَّاكَ اللَّهُ فِي الصَّدِّيقِينَ، وَعَدَّكَ مِنَ الْمُخْلَصِينَ، وَأَلْحَقَكَ بِآبَائِكَ الصَّالِحِينَ، قَالَ يُوسُفُ: هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِيَعْقُوبَ أَيُّهَا الرُّوحُ الْأَمِينُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهَبَهُ اللَّهُ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ وَابْتَلَاهُ بِالْحُزْنِ عَلَيْكَ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالَ: فَكَمْ قَدْرُ حُزْنِهُ؟ قَالَ: حُزْنُ سَبْعِينَ ثكلى، قال:
فماذا [٣] لَهُ مِنَ الْأَجْرِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ، قَالَ: أَفَتُرَانِي لَاقِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَطَابَتْ نفسه، وَقَالَ: مَا أُبَالِي بِمَا لَقِيتُ إن رأيته. قوله تعالى: أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
، يَعْنِي: أَعْلَمُ مِنْ حَيَاةِ يُوسُفَ مَا لَا تَعْلَمُونَ.
رُوِيَ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ زَارَ يَعْقُوبَ [عليه الصّلاة والسّلام] فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلَكُ الطَّيِّبُ رِيحُهُ، الْحَسَنُ صُورَتُهُ، هَلْ قَبَضْتَ رُوحَ وَلَدِي فِي الْأَرْوَاحِ؟ قَالَ: لَا، فَسَكَنَ يَعْقُوبُ وَطَمِعَ فِي رؤيته، وقيل: وأعلم أن رؤيا [ولدي] [٤] يُوسُفَ صَادِقَةٌ وَإِنِّي وَأَنْتُمْ سَنَسْجُدُ لَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا أَخْبَرَهُ وَلَدُهُ بِسِيرَةِ الْمَلِكِ أَحَسَّتْ نَفْسُ يعقوب فطمع وَقَالَ لَعَلَّهُ يُوسُفُ، فَقَالَ:
يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ: أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَتَبَ كِتَابًا إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ حُبِسَ بِنْيَامِينُ: مِنْ يَعْقُوبَ إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ إِلَى مَلِكِ مِصْرَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ وُكِّلَ بِنَا الْبَلَاءُ أَمَّا جَدِّي إِبْرَاهِيمُ فَشُدَّتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَأُلْقِيَ فِي النَّارِ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَأَمَّا أَبِي فَشُدَّتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَوُضِعَ السِّكِّينُ عَلَى قَفَاهُ، فَفَدَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا أَنَا فَكَانَ لِيَ ابْنٌ وَكَانَ أَحَبَّ أَوْلَادِي إِلَيَّ فَذَهَبَ بِهِ إِخْوَتُهُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ ثُمَّ أَتَوْنِي بِقَمِيصِهِ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ، فَقَالُوا: قَدْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ، فَذَهَبَتْ عَيْنَايَ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ لِيَ ابن وكان أخاه من أمه، وَكُنْتُ أَتَسَلَّى بِهِ وَإِنَّكَ حَبَسْتَهُ وَزَعَمْتَ أَنَّهُ سَرَقَ، وَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَسْرِقُ وَلَا نَلِدُ سارقا، فإن رددته إلي [أقرّ الله عينيك ولا أحزن قلبك] [٥] وإلّا دعوت عليك دعوة تردك السَّابِعَ مِنْ وَلَدِكَ، فَلَمَّا قَرَأَ يُوسُفُ الْكِتَابَ لَمْ يَتَمَالَكِ الْبُكَاءَ

(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «فما زاد» والمثبت عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.

صفحة رقم 510
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية