المنَاسَبَة: تتحدث الآيات عن مجيء إخوة يوسف للمرة الثانية إلى مصر ومعهم «بنيامين» الأخ الشقيق ليوسف، وما كان من شأنه حين ظهر الصواع في رحله، فاحتجزه يوسف عنده بحكم شريعة يعقوب، ثم ما كان من تمام المحنة على يعقوب عليه السلام بفقد ولديه حتى ذهب الحزن ببصره.
اللغَة. ﴿تَبْتَئِسْ﴾ تحزن ﴿العير﴾ الإِبل التي عليها الأحمال ثم كثر الاستعمال حتى قيل لكل قافلة عيرٌ ﴿صُوَاعَ﴾ الصُواع: الصاع الذي يكال به يُذكَّر ويؤنَّث وهو السقاية ﴿زَعِيمٌ﴾ كفيل ﴿سَوَّلَتْ﴾ زيَّنت وسهَّلت ﴿كَظِيمٌ﴾ ممتلئ من الحزن يكتمه ولا يبديه ﴿تَفْتَؤُاْ﴾ لا تفتأ ولا تزال من أخوات كان الناقصة ﴿حَرَضاً﴾ الحَرَض: المَرَض الذي يُشْفي على الهلاك قال الشاعر:
سَرَى همِّي فأَمْرضني | وقِدْماً زَادَنِي مَرَضاً |
كذاك الحُبُّ قبلَ اليَو | مِ ممّا يُورِثُ الحَرَضا |
التفسِير: ﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ﴾ أي وحين دخل أولاد يعقوب على يوسف ﴿آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾ أي ضمَّ إليه أخاه الشقيق بنيامين ﴿قَالَ إني أَنَاْ أَخُوكَ﴾ أي أنا أخوك يوسف، أخبره بذلك واستكتمه ﴿فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي لا تحزنْ بما فعلوا بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا بخير قال المفسرون: لما دخل إخوة يوسف عليه أكرمهم وأحسن ضيافتهم ثم أنزل كل اثنين في بيت وبقي «بنيامين» وحيداً فقال: هذا لا ثاني له فيكون معي، فبات يوسف يضمه إليه ويعانقه، وقال له: أنا أخوك يوسف فلا تحزن بما صنعوا، ثم أعمله أنه سيحتال لإبقائه عنده وأمره أن يكتم الخبر ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ أي ولمّا قضى حاجتهم وحمَّل إبلهم بالطعام والميرة ﴿جَعَلَ السقاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ أي أمر يوسف بأن تُجعل السقاية - وهي صاعٌ مرصَّعٌ بالجواهر - في متاع أخيه بنيامين ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ أي نادى منادٍ ﴿أَيَّتُهَا العير﴾ أي يا أصحاب الإبل ويا أيها الركب المسافرون ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ أي أنتم قوم سارقون، وإنما استحل أن يرميهم بالسرقة لما في ذلك من المصلحة من إمساك أخيه ﴿قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ ؟ قال المفسرون: لما وصل المنادون إليهم قالوا: ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم؟ ونوفّ إليكم الكيل؟ ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم؟ قالوا: بلى وما ذاك؟ قالوا: فقدنا سقاية الملك ولا نتّهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى: ﴿قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ أي التفتوا إليهم وسألوهم ماذا ضاع منكم وماذا فُقد؟ وفي قولهم ﴿مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ بدل «ماذا سرَقْنا» إرشادٌ لهم إلى مراعاة حسن الأدب، وعدم المجازفة بنسبة البريئين إلى تهمة السرقة، ولهذا التزموا الأدب معهم فأجابوهم ﴿قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك﴾ أي ضاع منا مكيال الملِك المُرصَّع بالجواهر ﴿وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ أي ولمن جاءنا بالمكيال وردَّه إلينا حِمْلُ بعيرٍ صفحة رقم 56
من الطعام كجائزة له ﴿وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾ أي أنا كفيلٌ وضامنٌ بذلك ﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض﴾ قسمٌ فيه معنى التعجب أي قالوا متعجبين: والله لقد علمتم أيها القوم ما جئنا بقصد أن نفسد في أرضكم ﴿وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ أي ولسنا ممن يُوصف بالسرقة قطُّ لأننا أولاد أنبياء ولا نفعل مثل هذا الفعل القبيح قال البيضاوي: استَشْهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم من فرط أمانتهم، كردّ البضاعة التي جُعلت في رحالهم، وككمِّ أفواه الدواب لئلا تتناول زرعاً أو طعاماً لأحد ﴿قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ﴾ أي ما عقوبة السارق في شريعتكم إن كنتم كاذبين في ادعاء البراءة ﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ أي جزاء السارق الذي يوجد الصاع في متاعه أن يُسترقَّ ويصبح مملوكاً لمن سَرَق منه ﴿كذلك نَجْزِي الظالمين﴾ أي كذلك نجازي من تعدَّى حدود الله بالسرقة وأمثالها، وهذا القول منهم هو الحكم في شريعة يعقوب وقد نسخ بقطع الأيدي في الشريعة الإِسلامية ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ أي بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين قال المفسرون: هذا من تمام الحيلة ودفع التهمة فإنهم لما ادعوا البراءة قال لهم: لا بدَّ من تفتيش أوعيتكم واحداً واحداً فانطلقوا بهم إلى يوسف فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء «بنيامين» قال قتادة: ذُكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً ولا ينظر وعاءً إلا استغفر الله مما قذفهم به، حتى بقي أخوه - وكان أصغرَ القوم فقال: ما أظنُّ هذا أخذ شيئاً فقالوا: والله لا نتركُك حتى تنظر في رَحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا، فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع فيه فذلك قوله تعالى ﴿ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ أي استخرج الصواع من متاع أخيه بنيامين، فلما أخرجها منه نكَّس الإِخوةُ رءوسَهم من الحياء، وأقبلوا عليه يلومونه ويقولون له فضحتنا وسوَّدت وجوهنا يا ابن راحيل ﴿كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ أي كذلك صنعنا ودبرنا ليوسف وألهمناه الحيلة ليستبقي أخاه عنده ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك﴾ أي ما كان ليوسف أن يأخذ أخاه في دين ملك مصر، لأن جزاء السارق عنده أن يُضرب ويُغرَّم ضعفَ ما سَرَق ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ أي إلا بمشيئته تعالى وإذنه، وقد دلّت الآية على أن تلك الحيلة كانت بتعليم الله وإلهامه له ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ﴾ أي نرفع بالعلم منازل من نشاء من عبادنا ما رفعنا يوسف ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ أي فوق كل عالمٍ من هو أعلم منه حتى ينتهي إلى ذي العلم البالغ وهو ربُّ العالمين قال الحسن: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم حتى ينتهي العلم إلى الله وقال ابن عباس: الله العليم الخبير فوق كل عالم ﴿قالوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ أي إن سرق فقد سرق أخوه الشقيق من قبله يعنون يوسف، تنصّلوا من السرقة ورموا بها يوسف وأخاه ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ أي أخفى تلك القولة في نفسه وكتمها ولم يُظهرها لإِخوته تلطفاً معهم ﴿قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ أي أنتم شرٌ منزلةًً حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البريء، ولم يواجههم بهذا الكلام وإنما قاله في نفسه ﴿والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ﴾ أي أعلم بما تتقوّلوا وتفترون ﴿قَالُواْ ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً﴾ استرحامٌ واستعطافٌ أي قالوا مستعطفين يا أيها السيد المبجَّل إنَّ أباه شيخ كبير في السِّن لا يكاد يستطيع فراقه ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ أي خذْ بدله
صفحة رقم 57واحداً منا فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ أي أتممْ إحسانك علينا فقد عودتنا الجميل والإحسان ﴿قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ أي نعوذ بالله من أن نأخذ أحداً بجرم غيره ﴿إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ﴾ أي نكون ظالمين إن فعلنا ذلك قال الألوسي: والتعبير بقوله ﴿مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ بدل «من سَرَقَ» لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب ﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ أي ولما يئسوا من إجابة طلبهم يأساً تاماً، وعرفوا أن لا جدوى من الرجاء، اعتزلوا جانباً عن الناس يتناجون ويتشاورون ﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ الله﴾ أي قال أكبرهم سناً وهو «روبيل» أليس قد أعطيتم أباكم عهداً وثيقاً بردِّ أخيكم؟ ﴿وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ﴾ أي ومن قبل هذا ألا تذكرون تفريطكم في يوسف؟ فكيف ترجعون إليه الآن؟ ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حتى يَأْذَنَ لي أبي﴾ أي فلن أفارق أرض مصر حتى يسمح لي أبي بالخروج منها ﴿أَوْ يَحْكُمَ الله لِي﴾ أي يحكم لي بخلاص أخي ﴿وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين﴾ أي وهو سبحانه أعدل الحاكمين لأنه لا يحكم إلا بالعدل والحق ﴿ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ ياأبانا إِنَّ ابنك سَرَقَ﴾ أي ارجعوا إلى أبيكم فأخبروه بحقيقة ما جرى وقولوا له إن ابنك بنيامين سَرَق ﴿وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ أي ولسنا نشهد إلا بما تيقنا وعلمنا فقد رأينا الصاع في رَحْله ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ أي ما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق ﴿وَسْئَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا﴾ أي واسأل أهل مصر عن حقيقة ما حدث قال البيضاوي: أي أرسلْ إلى أهلها واسألهم عن القصة ﴿والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ أي واسأل أيضاً القافلة التي جئنا معهم وهم قوم من كنعان كانوا بصحبتهم في هذه السفرة ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ أي صادقون فيما أخبرناك من أمره ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ أي زيَّنتْ وسهَّلت لكم أنفسكم أمراً ومكيدةً فنفذتموها، اتهمهم بالتآمر على «بنيامين» لما سبق منهم في أمر يوسف ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي لا أجد سوى الصبر محتسباً أجري عند الله ﴿عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ أي عسى أن يجمع الله شملي بهم، ويقرّ عيني برؤيتهم جميعاً ﴿إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ أي العالم بحالي الحكيم في تدبيره وتصريفه ﴿وتولى عَنْهُمْ﴾ أي أعرض عن أولاده كراهة لما سمع منهم ﴿وَقَالَ ياأسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ أي يا لهفي ويا حسرتي وحزني على يوسف ﴿وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن﴾ أي فقد بصره وعشي من شدة البكاء حزناً على ولديه ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أي مملوء القلب كمداً وغيظاً ولكنه يكتم ذلك في نفسه، وهو مغموم ومكروب لتلك الداهية الدهياء قال أبو السعود: وإنما تأسف على يوسف مع أن الحادث مصيبة أخويه لأن ذكر يوسف كان آخذاً بمجامع قلبه لا ينساه ولأنه كان واثقاً بحياتهما طامعاً في إيابهما وأما يوسف فلم يكن في شأنه ما يحرك سلسلة رجائه سوى رحمة الله وفضله وقال الرازي: الحزن الجديد يقوّي الحزن القديم الكامن في النفس، والأسى
صفحة رقم 58يبعث الأسى ويثير الأحزان قال الشاعر:
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى | فدعْني فهذا كله قبر مالك |
. ولما بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار أدركته الرأفة فباح لهم بما كان يكتمه من أمره ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ ؟ أي هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه حال شبابكم وطيشكم؟ والغرض تعظيم الواقعة كأنه يقول: ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وما أقبح ما أقدمتم عليه! قال أبو السعود: وإنما قاله نصحاً لهم، وتحريضاً على التوبة، وشفقةً عليهم ﴿قالوا أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ﴾ أي قال إخوته متعجبين مستغربين: أأنت يوسف حقاً؟ ﴿قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِي﴾ أي قال: نعم أنا يوسف وهذا أخي الشقيق ﴿قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ﴾ أي منَّ علينا بالخلاص من البلاء، والاجتماع بعد الفرقة، والعزة بعد الذلة ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ أي لا يبطل أجرهم ولا يضيع إحسانهم بل يجزيهم عليه أوفى الجزاء قال البيضاوي: ووضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر ﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا﴾ اعترافٌ بالخطيئة وإقرار بالذنب أي والله لقد فضَّلك الله علينا بالتقوى والصبر، والعلم والحلم ﴿وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ أي وحالُنا وشأننا أننا كنا مذنبين بصنيعنا الذي صنعنا بك، ولذلك أعزَّك الله وأذلنا، وأكرمك وأهاننا ﴿قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ أي قال لهم يوسف: صفحة رقم 59
لا عتب عليكم اليوم ولا عقوبة بل أصح وأعفو ﴿يَغْفِرُ الله لَكُمْ﴾ دعاءٌ لهم بالمغفرة وهذا زيادة تكريم منه لما فرط منهم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين﴾ أي هو جل وعلا المتفضل على التائب بالمغفرة والرحمة، أرحم بعباده من كل أحد ﴿اذهبوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي﴾ قال الطبري: ذُكر أن يوسف لمّا عرَّف نفسه إخوته سألهم عن أبيهم فقالوا: ذهب بصره من الحزن فعند ذلك أعطاهم قميصه، وأراد يوسف تبشير أبيه بحياته، وإدخال السرور عليه بذلك ﴿يَأْتِ بَصِيراً﴾ أي يرجع إليه بصره ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي وجيئوني بجميع الأهل والذرية من أولاد يعقوب.
البَلاَغَة: ١ - ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ﴾ فيه جناس الاشتقاق وكذلك في ﴿أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾.
٢ - ﴿فَأَسَرَّهَا... وَلَمْ يُبْدِهَا﴾ بينهما طباق.
٣ - ﴿شَيْخاً كَبِيراً﴾ فيه إطناب للاستعطاف.
٤ - ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ مجاز مرسل علاقته المحلية.
٥ - ﴿ياأسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ بين لفظتي الأسف ويوسف جناس الاشتقاق.
٦ - ﴿تَالله تَفْتَؤُاْ﴾ إِيجاز بالحذف أي تالله لا تفتأ.
٧ - ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله﴾ فيه استعارة استعير الرَّوْح وهو تنسيم الريح التي يلذُّ شميمها ويطيب نسيمها، للفَرَج الذي يأتي بعد الكربة، واليُسر الذي يأتي بعد الشدة.
لطيفَة: ذكر القاضي عياض في كتابه «الشفا» أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ هذه الآية ﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام. وذلك أن الآية ذكرت صفة اعتزالهم لجميع الناس، وانفرادهم من غيرهم، وتقليبهم الآراء ظهراً لبطن، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه، وما يوردون عليه من ذكر الحادث، فتضمنت تلك الآية القصيرة، معاني القصة الطويلة.