
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف= (آوى إليه أخاه)، يقول: ضم إليه أخاه لأبيه وأمه. (١)
* * *
وكان إيواؤه إياه، (٢) كما:-
١٩٥٠٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه)، قال: عرف أخاه، فأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم بِمُثُل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال. (٣) فلما بقي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي. فبات معه، فجعل يوسف يشمُّ ريحه، ويضمه إليه حتى أصبح، وجعل روبيل يقول: ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه!
١٩٥٠٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما دخلوا= يعني ولد يعقوب= على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به، قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي= أو كما قال. ثم قال: إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [صاحب]
(٢) كان الكلام في المطبوعة هكذا:" وكل أخوه لأبيه"، فلم يحسن قراءة المخطوطة، فجاء بكلام لا معنى له، وكان فيها:" وكل إيواوه إياه" غير منقوطة، وهذا صواب قراءته.
(٣) " المثال" (بكسر الميم)، وجمعه" مثل" (بضمتين)، وهو الفراش، وفي الحديث أنه دخل على سعد بن أبي وقاص، وفي البيت متاع رث ومثال رث أي: فراش خلق بال. ويقال: هو النمط الذي يفترش من مفارش الصوف الملونة.

ضيافته. (١) فقال: أنزل كل رجلين على حدة، ثم أكرمهما، وأحسن ضيافتهما. ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثانٍ، فسأضمه إليّ، فيكون منزله معي. فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتَّى، وأنزل أخاه معه، فآواه إليه. فلما خلا به قال إني أنا أخوك، أنا يوسف، فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا، ولا تعلمهم شيئًا مما أعلمتك. يقول الله: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون).
١٩٥٠٥- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه)، ضمه إليه، وأنزله، وهو بنيامين.
١٩٥٠٦- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول= وسئل عن قول يوسف: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) =: كيف أصابه حين أخذ بالصُّواع، وقد كان أخبره [أنه] أخوه، (٢) وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا؟ فقال: إنه لم يعترف له بالنسبة، ولكنه قال: (أنا أخوك) مكانَ أخيك الهالك= (فلا تبتئس بما كانوا يعملون)، يقول: لا يحزنك مكانهُ.
* * *
وقوله: (فلا تبتئس)، يقول: فلا تستكِنْ ولا تحزن.
* * *
(٢) في المطبوعة والمخطوطة:" كيف أجابه حين أخذ بالصواع، وقد كان أخبره أخوه"، ولعل الصواب ما أثبت، مع هذه الزيادة بين القوسين.

وهو:"فلا تفتعل"من"البؤس"، يقال منه:"ابتأس يبتئس ابتئاسًا". (١)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٩٥٠٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلا تبتئس)، يقول: فلا تحزن ولا تيأس.
١٩٥٠٨- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: (فلا تبتئس)، يقول: لا يحزنك مكانه.
١٩٥٠٩- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلا تبتئس بما كانوا يعملون)، يقول: لا تحزن على ما كانوا يعملون.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك، وفي أخيك من أمك، وما كانوا يفعلون قبلَ اليوم بك.
* * *