
ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلم. «أنّ العين لتدخل الرّجل القبر والجمل القدر»
«وأعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة»
وقوله (صلّى الله عليه وسلم) وقد أخبر بوعكة لبعض أصحابه من أثر حسد فقال. «علام يقتل أحدكم أخاه! ألا بركت إن العين حق، توضأ له»
فتوضأ الحاسد ومعنى بركت قلت تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه بكلمات الله التامة.. إلخ وعلى الحاسد أن يتوضأ وأن يقول، تبارك الله أحسن الخالقين عند ما يرى شيئا وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ [سورة الفلق آية ٥].
وبعض العلماء ينفى أثر العين ويفهم الآية هنا على معنى يا بنى لا تدخلوا من باب واحد لتروا بأعينكم ما يكون من تأثير كل طائفة منكم في نفس العزيز وعلى أسارير وجهه.
يا بنى اعملوا بنصيحتى واعلموا أنى لا أغنى عنكم من الله شيئا، ولا أدفع عنكم بتدبيري من قضاء الله شيئا إذا لا يغنى حذر من قدر، ولكن اسلكوا الأسباب العادية مع العلم أن قضاء الله نافذ لا محالة. إن الحكم إلا لله وحده له الحكم وله الأمر وعليه وحده فليتوكل المتوكلون لا على غيره.
ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم، ما كان دخولهم على هذا الشكل يغنى عنهم من أمر الله شيئا. ولكن كانت هناك حاجة في نفس يعقوب تدور بخلده أراد أن يظهرها لأبنائه، قضاها وأظهرها بوصيته لأولاده من حيث لا يفطنون لها.
إنه لذو علم وبصر بالأمور لما علمه ربه بالوحي والإلهام وتأويل الرؤيا الصادقة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك.
يوسف يتعرف على أخيه بنيامين ويحتال على إبقائه عنده [سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٩ الى ٧٦]
وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣)
قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)

المفردات:
آوى إِلَيْهِ أَخاهُ ضمه إليه فَلا تَبْتَئِسْ لا تحزن السِّقايَةَ وعاء يسقى به، وكان يكال للناس طعامهم به وهو صواع الملك جَهَّزَهُمْ هذه المادة تفيد الإسراع وتنجيز الأمر ومنه أجهز على الجريح والمراد كما مضى أوقر ركائبهم بالطعام أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ نادى مناد، وأذن تفيد التكثير والتكرير الْعِيرُ الجمال التي تحمل الطعام وتنقله من بلد إلى بلد والمراد هنا أصحابها زَعِيمٌ كفيل وضمين كِدْنا الكيد التدبير الخفى دِينِ الْمَلِكِ شرعه وقانونه.
المعنى:
ولما دخلوا على يوسف في ديوانه، وأحضروا معهم أخاه بنيامين، واجتمع بهم ضم

إليه أخاه في مجلس خاص وصارحه بكل شيء وقال له: إنى أنا أخوك يوسف فلا تحزن ولا تتألم بما كانوا يفعلون قديما فينا، وهذا جزاء الصبر يا بنيامين، وهنا روايات كثيرة في كيفية ضم يوسف لأخيه لا تخرج في مجموعها عما ذكرنا.
عرف يوسف أخاه الحبيب، وألم بحاله مع أبيه الحزين وما حصل من إخوته حينما طالبوا بنيامين من أبيهم ولكن يوسف يريد أخاه ولأمر ما يريد مكثه معه، فمضى في تنفيذ غرضه بكل وسيلة وحيلة! فلما جهزهم بجهازهم، وقضى لهم أمرهم، جعل السقاية في رحل أخيه بنيامين دون أن يعلم أحد، وحينما ساروا في طريقهم فرحين مسرورين أذن مؤذن، ونادى مناد، شأن من يضيع منه شيء: أيتها العير أى: يا أصحاب العير، قفوا إنكم سارقون!! كان هذا خبرا كالصاعقة عليهم، فما سرقوا ولا أخفوا شيئا.
قالوا: وأقبلوا على فتيان العزيز في دهش وحيرة ماذا تفقدون؟ وماذا ضاع منكم؟
أنكروا ضياع شيء، ولم ينفوا عن أنفسهم سرقة لأنهم يعلمون أنها بعيدة كل البعد لا تحتاج إلى نفى.
قال الفتيان: نفقد الصواع الذي نكيل به للناس الذي عليه شارة الملك، ولمن جاء به حمل بعير برّا وقال المنادى: إنى بهذا زعيم وضمين.
قال إخوة يوسف: تالله لقد علمتم أنتم بعد تجربتكم لنا أننا ما جئنا لنفسد في أرض مصر بأى نوع من أنواع الفساد فضلا عن السرقة التي هي أحط أنواع الاعتداء، وكيف نسرق من جماعة أكرمونا هذا الإكرام! وما كنا سارقين في يوم من الأيام..
قال فتيان يوسف لهم: إذا كان الأمر كذلك فما جزاؤه إن كنتم كاذبين في نفى كون الصاع في رحالكم أما السرقة فهم صادقون في دعوى البراءة منها يدل على هذا قولهم جزاؤه أخذ من وجد في رحله، وظهر أنه السارق للصواع، أخذه وجعله عبدا لصاحبه واسترقاقه عاما وذلك كان في شريعة يعقوب- عليه السلام-.
فَهُوَ جَزاؤُهُ وهذا تقرير للحكم السابق، وتوكيد له بعد توكيد، مثل ذلك الجزاء الشديد نجزى الظالمين للناس بسرقة أمتعتهم وأموالهم أما يوسف فبعد أن رجعوا إليه تلبية لنداء المنادى وتبرئة لساحتهم وإجابة لطلبه بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه،