آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ

وقوله: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ﴾: أي: تحزرونه، أي: ترفعونه للحرث. ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس﴾ أخبرهم، ﷺ، عما لم يكن في رؤيا الملك، وذلك من علم الغيب، الذي علمه الله، ( تعالى) دلالة على نبوته ﷺ، ومعنى ﴿فِيهِ يُغَاثُ الناس﴾: أي: بالمطر، والخصب.
﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾: أي: يعصرون العنب، والسمسم، والزيتون: وهو قول ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وابن جريج، وغيرهم.
وقيل: المعنى: وفيه تحلبون مواشيكم.
وقال أبو عبيدة: معناه: وفيه تنجون من البلاء من العصر (وهو الملجأ).
قوله: ﴿وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرسول﴾ - إلى قوله - ﴿لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين﴾.

صفحة رقم 3579

(المعنى): أن الملك لما أعلمه الرسول بتأويل رؤياه، علم أنه حق. وقال: ﴿ائتوني بِهِ﴾.
فلما جاء يوسف الرسول يدعوه إلى الملك، قال [له] يوسف: ارجع إلى سيدك، ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾.
وأبى يوسف أن يخرج حتى يعلم صحة أمره ولم يذكر امرأة العزيز فيهن: حُسْنَ عشرة منه، صلى الله عليه (وسلم)، خلطتها بالنسوة، وأخبر عن الجميع.
(قال النبي ﷺ: " رحم الله يوسف، لو كنت أنا المحبوس، ثم أرسل إلي لخرجت سريعاً. إن كان لحليماً، ذا أناة ".

صفحة رقم 3580

(وقال ﷺ: " لقد عجبت من يوسف، وصبره، وكرمه، والله يغفر له حين سئل عن البقرات: لو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترطت أن يخرجوني. ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول لو كنت مكانه لبادرتهم الباب "
قوله: ﴿مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ﴾ إنما خاطبهن لأنهن قلن ليوسف إذ رأيته: وما عليك أن تفعل، فراودنه عن نفسه.
وقيل: إنه / خاطبهن من أجل امرأة العزيز فيهن، فجعل الخطاب للجميع، والمراد واحدةٌ منهن. ودليل هذا جوابها وحدها، إذ حكاه الله، تعالى، عنها فقال: ﴿قَالَتِ امرأت العزيز الآن حَصْحَصَ الحق﴾.

صفحة رقم 3581

وقيل: إنما خاطبهن كلهن، لأن يوسف لما قال: ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ ظن الملك أنهن كذبن وراودنه، فجاوبته امرأة العزيز، وأقرت أنها هي الفاعلة.
وقيل: إنما جمعهن في الخطاب، لأنهن قلن: ﴿امرأة العزيز تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ [يوسف: ٣٠] وأشعن ذلك فقيل لهن: هل علمتنَّ ذنبه؟
﴿قُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء﴾ فعند ذلك، أقرت امرأة العزيز أنها هي جاروته عن نفسه. رجع الرسول، فقال ذلك للملك فأحضر الملك النسوة. والكلام دل على الحذف.
ومعنى ﴿حَصْحَصَ الحق﴾: تبين وظهر وانكشف، فقالت: ﴿أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين﴾ في قوله: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ وذلك أنها اضطرت إلى أن تبلغ مراد الملك في صرف الإبهام عنه بالرؤيا التي شغلت قلبه، فبرأت يوسف ليصح صدقه عند الملك، ويعلم أن ما أفتى في الرؤيا حق، فتعطفه عليه.
وحصحص مأخوذ من الحصة، أي: بانت حصة الحق من حصة الباطل. وأصله " حصص "، ثم أبدل من الصاد الثانية حاءً، كما قال:

صفحة رقم 3582

﴿فَكُبْكِبُواْ﴾ [الشعراء: ٩٤]، والأصل " كذبوا "، وقيل: كبكب، والأصل " كبب " ورَدْرَدَ والأصل ردَّد.
وقوله: ﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ هذا من قول يوسف عليه السلام أي: قال: فعلت ذلك من ردي الرسول إليه، وتركي إجابته، والخروج إليه حتى يسأل النسوة، فيعلم الملك أني لم أذكره بسوء في الغيب.
(وقيل: المعنى: ليعلم العزيز أني لم أذكره بسوء في الغيب).
وقيل: المعنى: ليعلم أني لم أخنه في امرأته، وهو غائب (ويصح) ذلك عنده. وقد قيل: إنه من كرم المرأة كله لتقديم كلامها. لذلك قال ابن جريج: (هذا) متصل بما قبله، وفي الكلام تقديم وتأخير.
والمعنى: ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِ (هِنَّ) عَلِيمٌ﴾. ﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾. فعلى هذا يكون يوسف قاله وهو في السجن.

صفحة رقم 3583

وعلى قول ابن عباس، وغيره إنما قاله (بعد أن خرج، فلا تقديم في الكلام، ولا تأخير. ولما قال يوسف ذلك قال له) جبريل، عليه السلام: ولا حين هممت؟ فقال يوسف: ﴿وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي﴾ [يوسف: ٥٣]. قاله ابن عباس، وابن جبير.
وقال السدي: امرأة العزيز هي التي قالت له: ولا حين هممت، فحللت السراويل فقال: ﴿وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي﴾ [يوسف: ٥٣].
وقيل: إنه من قول يوسف، وذلك أنه تذكر ما مضى. فقال ذلك معتذراً لمليكه.
وذكر ابن لهيعة: أن امرأة العزيز لما اشتدت عليها الحاجة، (والمسبغة) أرادت الدخول على يوسف لتشكو إليه حاجتها، وإعوازها، / فقال لها أهلها وقومها: لا تفعلي، لأنا نخاف عليك، لأنه قد كان منك الذي كان، فقالت: كلا إني لا أخاف ممن يخاف الله، ويتقيه. فدخلت عليه، وقامت بين يديه، ثم قالت: الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكاً بطاعته، وأشارت إليه، ثم قالت: والحمد لله الذي جعل الملوك عبيداً

صفحة رقم 3584

بمعصيته، وأشارت إلى نفسها. (قال): ثم تزوجها يوسف، عليه السلام، فأصابها بكراً، فقال لها: أليس هذا أحسن مما كنت أردتيه مني؟ قالت له: إني كنت قج ابتليت منك بأربع خصال: (كنت) أنت أجمل الناس، وكنت أنا أجمل النساء في دهري، وكان زوجي عنيناً، وكنت بكراً حِدَثة السن قال: فأولدها يوسف، ﷺ فأول ولد ولدته ابنه سماها " رحمة " وهي امرأة أيوب، عليهما السلام.
ويروى أن امرأة العزيز دخلت على يوسف، ( ﷺ)، وقد ملك مصر، فقالت له: بالذي رفع العبيد بطاعتهم، ووضع الملوك بمعصيتهم، فتصدق عليها يوسف، وتزوجها.

صفحة رقم 3585
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية