آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ

(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) أي ثم يعقبهم بعد تلك الشدائد عام فيه يغاث الناس: أي يغيثهم الله من تلك الشدة أتم إغاثة ويعينهم بجميع أنواع المعونة، فتغلّ البلاد وتكثر المحصولات بجميع أنواعها ويعصرون ما من شأنه أن يعصر من العنب والقصب والزيتون والسمن ونحوها من الفواكه.
وخلاصة ذلك- إن العام يكون عام خصب وإقبال، ويكون للناس فيه ما يبغون من النعمة والإتراف، والإنباء بهذا العام زائد على تأويل الرؤيا ولم يعرفه يوسف على التخصيص والتفصيل إلا بوحي من الله عز وجل.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)
طلب الملك ليوسف وتريثه فى الإجابة
حتى يحقق حادثة النسوة
بعد أن رجع الرسول إلى الملك وملئه وأبلغهم ما قاله يوسف عليه السلام، فهموا منه سعة علمه وحسن تدبيره لدى ذلك الخطب الجلل الذي سيحل بالبلاد، فطلب الملك رؤيته ليتحقق بنفسه صدق ما فهمه من كلامه، إذ ليس الخبر كالخبر وليس السماع كالمشاهدة، وذلك هو الرأى والحزم.

صفحة رقم 156

الإيضاح
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) كى أستمع كلامه وأعرف درجة عقله وأعلم تفضيل رأيه (فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ) وبلّغه أمر الملك وطلب إليه إنفاذه.
(قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) البال: هو الأمر الذي يبحث عنه ويهتم به: أي ارجع إلى سيدك قبل شخوصى إليه ومثولى بين يديه، وسله عن حال النسوة اللاتي قطّعن أيديهن ليعرف حقيقة أمره، إذ لا أود أن آتيه وأنامتهم بقضية عوقبت من أجلها بالسجن وقد طال مكثى فيه دون تعرف الحقيقة ولا البحث فى صميم التهمة.
(إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) أي إنه تعالى هو العالم بخفيّات الأمور، وهو الذي صرف عنى كيدهن فلم يمسسنى منه سوء.
وقد دل هذا التريث والتمهل من يوسف عليه السلام عن إجابة طلب الملك له حتى تحقق براءته على جملة أمور:
(١) جميل صبره وحسن أناته، ولا عجب فمثله ممن لقى الشدائد جدير به أن يكون صبورا حليما، ولا سيما ممن ورث النبوة كابرا عن كابر،
وقد ورد فى الصحيحين مرفوعا «ولو لبثت فى السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي»،
وفى رواية أحمد «لو كنت أنا لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العذر»
(٢) عزة نفسه وصون كرامته، إذ لم يرض أن تكون التهمة بالباطل عالقة به، فطلب إظهار براءته وعفته عن أن يزنّ بريبة أو تحوم حول اسمه شائبة السوء.
(٣) إنه عفّ عن اتهام النسوة بالسوء والتصريح بالطعن عليهن حتى يتحقق الملك بنفسه حين ما يسألهن عن السبب فى تقطيع الأيدى ويعلم ذلك منهن حين الإجابة.
(٤) إنه لم يذكر سيدته معهن وهى السبب فى تلك الفتنة الشعواء وفاء لزوجها ورحمة بها، وإنما اتهمها أولا دفاعا عن نفسه حين وقف موقف التهمة لدى سيدها وبعد أن طعنت فيه.

صفحة رقم 157

(قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) الخطب الشأن العظيم الذي يقع فيه التخاطب إما لغرابته وإما لإنكاره، ومنه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: «قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ» وقوم موسى: «فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ» أي إن الرسول بعد أن أبلغ الملك قول يوسف: إنه لا يخرج من السجن استجابة لدعوته حتى يحقق قصة النسوة- جمعهن وسألهن: ما خطبكن الذي حملكن على مراودته عن نفسه:
هل كان عن ميل منه إليكن، وهل رأيتن منه مواتاة واستجابة بعدها، وماذا كان السبب فى إلقائه فى السجن مع المجرمين.
(قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) أي معاذ الله. ما علمنا عليه سوءا يشينه ويسوءه لا قليلا ولا كثيرا.
(قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) حصحص: ظهر بعد أن كان خفيا أي إن الحق فى هذه القضية كان فى رأى من بلغهم- موزّع التبعة بيننا معشر النسوة وبين يوسف، لكل مناحصة بقدر ما عرض فيها من شبهة، والآن قد ظهر الحق فى جانب واحد لا خفاء فيه، وهن قد شهدن بما علمن شهادة نفى، وهأنذا أشهد على نفسى شهادة إيجاب.
(أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) لا أنه راودنى، بل استعصم وأعرض عنى.
(وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فى قوله حين افتريت عليه: هى راودتنى عن نفسى، والذي دعاها إلى هذا الاعتراف مكافأة يوسف على ما فعله من رعاية حقها وتعظيم جانبها وإخفاء أمرها حيث قال: (ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) ولم يعرض لشأنها.
وفى هذا الاعتراف شهادة مريحة من امرأة العزيز ببراءة يوسف من كل الذنوب، وطهارته من كل العيوب.
(ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) أي ذلك الاعتراف منى بالحق له، والشهادة بالصدق الذي علمته منه، ليعلم أنى لم أخنه بالغيب عنه منذ سجن إلى الآن، فلم أنل

صفحة رقم 158

من أمانته، أو أطعن فى شرفه وعفته، بل صرحت لأولئك النسوة بأنى راودته عن نفسه فاستعصم، وهأنذا أقر بهذا أمام الملك ورجال دولته وهو غائب عنا.
(وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) أي لا ينفذه بل يبطله وتكون عاقبته الفضيحة والنكال، ولقد كدنا له فصرف ربه عنه كيدنا، وسجنّاه فبرأه الله وفضح مكربا، حتى شهدنا على أنفسنا فى مثل هذا الحفل الرهيب والمقام المنيف ببراءته من كل العيوب، وسلامته من كل سوء.
وعلى الجملة فالتحقيق أسفر عن أن يوسف كان مثل الكمال الإنسانى فى عفته ونزاهته لم يمسسه سوء من فتنة أولئك النسوة، وأن امرأة العزيز أقرّت فى خاتمة المطاف بذنبها فى مجلس الملك إيثارا للحق وإثباتا لبراءة يوسف عليه السلام.
نسألك سبحانك الهداية والتوفيق، وأن تسدد خطانا إلى أقوم طريق، بمنك وكرمك وجزيل معونتك، إنك نعم المولى ونعم النصير.
وصل ربنا على محمد وآله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وقد كان الفراغ من مسوّدة هذا الجزء بمدينة حلوان من أرباض القاهرة لثمان بقين من صفر من سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وألف هجريه.

صفحة رقم 159

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء
الصفحة المبحث ٥ كان عرش الله على الماء فى أثناء خلق العالم قبل تكوين السموات والأرض.
٦ الماء أصل جميع الأحياء.
٧ استعجال المشركين للعذاب ٨ الإنسان محروم من فضيلتى الصبر والشكر.
١١ كان الرسول ﷺ يضيق صدره لعناد المشركين وجحودهم لدعوته.
١٢ دعواهم أن القرآن مفترى وليس بوحي من عند الله.
١٤ قصص القرآن والأغراض منه.
١٥ حكمة التحدي بعشر سور.
١٧ الدين يبيح التمتع بالطيبات ويبيح الزينة فى غير سرف ولا خيلاء.
٢٧ الإيمان لا يكون بالإكراه.
٢٩ الرسول لا يعلم الغيب.
٣٨ دعوة نوح لابنه إلى الإيمان.
٤١ لا يجوز الدعاء بما يخالف سنن الله فى الخلق.
٤٢ لا علاقة للصلاح بالوراثة والنسب.
من يغتر بنسبه ولا يعمل بما يرضى ربه فهو جاهل بكتابه.
٤٣ قصص القرآن من عالم الغيب.
٤٤ هل كان الطوفان عاما أو خاصا ٤٥ حادث الطوفان فى القرآن والتوراة والتاريخ القديم.
٤٦ عمر نوح عليه السلام.

صفحة رقم 161

الصفحة المبحث ٥٦ آية صالح نافته.
٥٧ الصيحة التي أهلكت بها ثمود.
بشارة الملائكة لإبراهيم وامرأته بإسحاق ٥٩ سرور الملائكة بإبراهيم حين إهلاك قوم لوط.
ولد إسحاق لإبراهيم وسنه مائة سنة وكانت سن امرأته تسعين.
٦٠ الفرق بين الروع (بالضم) والروع (بالفتح).
٦١ مجادلة إبراهيم للملائكة فى سفر التكوين من التوراة.
٦٦ أمر لوط بالسرى ليلا.
٧٠ الإفساد تعطيل شامل لمصالح الدين والدنيا.
٧٧ تهديد قوم شعيب له بالرجم.
٧٨ آيات موسى التسع.
٨٥ الناس يوم القيامة فريقان.
٨٨ إنذار المشركين بحلول العذاب بهم كما حلّ بسالف الأمم.
٩١ تحكيم العقل البشرى فى الخوض فى ذات الله وصفاته تجاوز لحدوده.
الاختلاف فى أمور القضاء والسياسة وأمور المعاش أمر طبيعى.
٩٢ أمر الرسول بالاستقامة.
٩٣ الاستعانة بالظلمة رضا بأعمالهم.
يجب الأخذ على أيدى الظلمة وأئمة الجور.
٩٥ الصلاة أس العبادات المغذية للإيمان.
٩٦ السنن العامة فى إهلاك الأمم.
٩٧ العقول السليمة تكفى لفهم ما فى دعوة الرسل من الخير.
الله لا يهلك أمة لشركها ما دام أهلها مصلحين.

صفحة رقم 162

الصفحة المبحث ٩٨ لو شاء الله لجعل الناس على دين واحد.
١٠٠ فى قصص الرسل مع أممهم تثبيت لفؤاده ﷺ وبيان لوجه الحق فى دعوته ١٠٥ أتباع الرسل هم الفقراء.
١٠٦ يوسف الصديق مثل كامل فى عفته وصبره.
١٠٧ ما فى قصص يوسف من عبرة ١١٢ قصص يوسف أحسن القصص.
١١٣ قصص يوسف رؤياه على أبيه.
١١٤ نهى أبيه له عن إخبار إخوته بهذه الرؤيا.
١١٨ تآمر إخوة يوسف على الفتك به وتدبير المكيدة له.
١١٩ خوف يعقوب على يوسف مع ذكر السبب فى ذلك.
١٢١ إلقاء يوسف فى الجب.
١٢٢ ادعاؤهم أن الذئب قد أكله ومجيئهم بدم كذب تصديقا لذلك ١٢٣ عثور السيارة عليه فى الجب وفرحهم به.
١٢٤ بيعه فى مصر بثمن بخس دراهم معدودة.
١٢٥ شراء رئيس وزراء مصر له وأمر زوجه بإكرامه ١٢٦ كان عزيز مصر عقيما وكان صادق الفراسة.
١٢٧ علم الله يوسف الحكم الصحيح فيما يعرض له من مشكلات الأمور.
١٢٨ مراودة امرأة العزيز له عن نفسها.
١٢٩ امتناعه عن إجابة طلبها.
١٣٠ رأى ابن جرير والفخر الرازي فى تفسير آية المراودة.
١٣١ رأى الجمهور فى تفسيرها ثم تفنيد ذلك بالأدلة.
١٣٢ شكوى المرأة لزوجها من يوسف؟؟؟ ونحيلها فى ذلك.
١٣٣ تحقيق زوجها للحادث وحكم قريبها ببراءة يوسف.

صفحة رقم 163

الصفحة المبحث ١٣٤ الأمارات الدالة على صدق يوسف.
١٣٥ هل كان شاهد يوسف صبيا؟.
١٣٦ حديث النسوة فى المدينة ومكر امرأة العزيز بهن.
١٣٨ تعجب النسوة من حصول الحادث لأسباب.
١٣٩ تدبيرها المحكم للكيد بهن.
١٤٠ سلواها بما يكون معذرة؟؟؟ لها فى ظنها.
تهديدها إياه بالسجن إن لم يجبها إلى ما تطلب.
١٤١ دعاؤه ربه أن يصرف عنه كيد النسوة.
١٤٢ استجابة ربه لدعائه.
تصميمهم على سجنه مع ظهور براءته.
١٤٤ تعبيره الرؤى لمن فى السجن.
١٤٨ عظته للمسجونين وطلبته منهم الإيمان بالله وحده ١٥٠ صادق الإيمان لا يذل إلا لله.
١٥١ تعبيره رؤيا ساقى الملك وخبازه.
١٥٢ رؤيا الملك فى المنام وطلبه تعبيرها.
تأويل الكهنة لها.
١٥٣ تأويل يوسف لها.
١٥٦ طلب الملك ليوسف وتريثه فى الإجابة.
١٥٧ الأسباب التي حملته على التريث فى إجابة الطلب.
١٥٨ اعتراف المرأة ببراءة يوسف.
١٥٩ ما أسفر عنه التحقيق.

صفحة رقم 164

الجزء الثالث عشر
[تتمة سورة يوسف]
تفسير المراغي تأليف صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير المرحوم احمد مصطفى المراغي أستاذ الشريعة الإسلامية واللغة العربية بكلية دار العلوم سابقا الجزء الثالث عشر

صفحة رقم 1
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية