
بكى الحسن وقال: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس (١).
٤٣ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾ الآية، قال المفسرون (٢): لما ذكرنا فرج يوسف، رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هالته، وذلك أنه رأى سبع بقرات سمان، وسبعًا عجافًا (٣) فابتلعت العجاف السمان، فدخلن في بطونهن فلم ير منهن شيئًا، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها، وسبعًا آخر يابسات قد استحصدت، والتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فجمع الكهنة وقصها عليهم، فذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي﴾ الآية، فقوله: ﴿عِجَافٌ﴾ قال الليث (٤): العجف ذهاب السمن، والفعل عجف يعجف، والذكر أعجف، والأنثى عجفاء والجميع عجاف في الذكران والإناث، وليس في كلام العرب أفْعَل وفعلاء، وجُمعا على فعال غير أعجف وعجفاء، وهي شاذة حملوها على لفظ سمان فقالوا: سمان وعجاف، وجاء أفعل وفعلاء على فعل يفعل في أحرف معدودة، منها: الأعجف والآدم والأسمر والأحمق والأخرق والأرعن، على أن ابن السكيت (٥) قد حكى عن الفراء: عجف وحمق ورعن وخرق، بالكسر في هذه الأربعة، فمعنى العجاف الهزلى التي لا لحم عليها ولا شحم، وقال
انظر: "معاني النحاس" ٣/ ٤٢٩ - ٤٣١، الماوردي ٤٠/ ٣، أبو حبان ٥/ ٣١١، "تاج العروس" (بضع) ١١/ ١٩.
(٢) الثعلبي ٧/ ٨٥ أ، وفيه: (لما دنا فرج يوسف) وهو الصحيح.
(٣) (عجافًا): ساقط من (أ)، (ب)، (ج).
(٤) "تهذيب اللغة" (عجف) ٣/ ٢٣٤٠.
(٥) "تهذيب اللغة" (عجف) ٣/ ٢٣٤٠.

ابن دريد (١): العجف غلظ العظام وعراؤها من اللحم.
وقوله تعالى: ﴿أَفْتُونِي﴾ ذكرنا معنى الإفتاء والاستفتاء في سورة النساء (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾، يقال: عبرت الرؤيا أعبرها عبرًا وعبارة، وعبرتها تعبيرًا إذا فسرتها، وحكى الأزهري (٣): أن هذا مأخوذ من العبر وهو جانب النهر، ومعنى عبرت النهر والطريق، قطعته إلى الجانب الآخر، فقيل لعابر الرؤيا عابر؛ لأنه يتأمل ناحيتي الرؤيا فيتفكر في أطرافها، ويمضي تفكره فيها من أول ما يرى النائم إلى آخر ما رأى، حتى يقع فهمه على الصحيح منها فيجيب، فأما اللام في قوله ﴿لِلرُّؤْيَا﴾ فقال أحمد بن يحيى (٤): أراد إن كنتم للرؤيا عابرين، وإن كنتم عابرين للرؤيا، تسمّى هذه اللام لام التعقيب، لأنها عقبت الإضافة، لأن المعنى: إن كنتم عابري الرؤيا.
وقال ابن الأنباري (٥): دخلت اللام مؤكدة مفيدة معنى التأكيد، وقيل: إنها أفادت معنى إلى، وكأن تلخيصها: إن كنتم توجهون العبارة إلى الرؤيا، والعرب تقول: هو لزيد ضارب، يعنون: هو يوجه ضربه إلى زيد،
(٢) عند قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ [آية: ١٢٧].
(٣) "تهذيب اللغة" (عبر) ٣/ ٢٣٠٥.
(٤) "تهذيب اللغة" (عبر) ٣/ ٢٣٠٤.
(٥) "زاد المسير" ٤/ ٢٣٠.