
قيل: هو عائد إلى يوسف، أي: نسي في ذلك الوقت أن يشتكي إلى الله، فروي أنّ جبريل جاءه، فعاتبه عن الله عزّ وجلّ في ذلك، قيل: أوحي إليه: يا يوسف، اتّخذت من دوني وكيلا، لأطيلنّ سجنك، والله أعلم بصحّته، وقيل: الضمير في فَأَنْساهُ عائد على السّاقي، قاله ابن إسحاق، أي: نسي ذكر يوسف عند ربّه، وهو الملك «١»، والبضع:
اختلف فيه، والأكثر أنّه من الثلاثة إلى العشرة قاله ابن عباس «٢» : وعلى هذا فقه مذهب مالك في الدعاوي والأيمان، وقال قتادة: البضع: من الثلاثة إلى التسعة «٣»، ويقوي هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر الصّديق في قصة خطره مع قريش في غلبة الرّوم لفارس: «أما علمت أنّ البضع من الثّلاث إلى التّسع «٤».
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]
وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤) وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥)
وقوله سبحانه: وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ:
روي أنه قال: رَأَيْتُهَا خَارجةً من نَهْرٍ، وخرجَتْ وراءَها سَبْعٌ عِجاف، فأكلَتْ تلك السِّمان، وحَصَلَتْ في بطونها، ورأى السنابلَ أيضاً كما ذكر، و «ال عِجافٌ: التي بَلَغَتْ غايةَ الهُزَال، ثم قال لحاضريه: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ، وعبارة الرؤية: مأخوذة منْ عَبْرِ النَّهْرِ، وهو تجاوزه مِنْ شَطٍّ إِلى شَطِّ، فكأنَّ عابر الرؤيا يَنْتَهِي إِلى آخر تأويلها.
قال ص: وإِنما لم يضفْ «سبع» إِلى عِجَافٍ لأنَّ اسم العدد لا يضاف إِلى الصفة إِلا في الشِّعْرِ، انتهى.
وقولهُ سبحانه: قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ... الآية: «الضِّغْثِ» في كلام العرب:
أقَلُّ من الحُزْمة، وأكثَرُ من القَبْضة من النباتِ والعُشْبِ ونحوه، وربَّما كان ذلك مِنْ جنس
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٢٢٢) برقم: (١٩٣٣٦)، والسيوطي (٤/ ٣٨).
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٢٢٢) برقم: (١٩٣٣٤)، وذكره ابن عطية (٣/ ٢٤٧)، وابن كثير (٢/ ٤٧٩)، والسيوطي (٤/ ٣٨).
(٤) أخرجه الترمذي (٥/ ٣٤٢- ٣٤٣) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة الروم، حديث (٣١٩١) من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عتبة، عن ابن عباس به. وقال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس.

واحدٍ، وربما كان من أخْلاَط النباتِ، والمعنى: أنَّ هذا الذي رأَيْتَ أيها الملكُ اختلاط من الأحلامِ بسَبَبِ النوم، ولسنا من أهْلِ العلم بما هو مختلط ورديء، والْأَحْلامِ: جمع حُلْم، وهو ما يخيَّل إِلى الإِنسان في منامه، والأحلام والرؤيا ممَّا أثبتَتْه الشريعةُ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَهِيَ مِنَ المُبَشِّرَةِ وَالحُلْمُ المُحْزِنُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ/ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْتُ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ» «١». وما كان عن حديث النفْسِ في اليقظة، فإِنه لا يلتفت إِليه، ولما سمع الساقي الذي نجا هذه المقالَةَ من المَلِكِ، ومُرَاجَعَةَ أصحابه، تذكَّر يوسُف، وعلْمَهُ بالتأويل، فقال مقالَتَه في هذه الآية، وَادَّكَرَ: أصله: «اذتكر» من الذِّكْرِ، فقلبتِ التاء دالاً، وأدغم الأول في الثاني، وقرأ جمهور الناس «٢» :«بَعْدَ أُمَّةٍ»، وهي المدَّة من الدهر، وقرأ ابن عباس «٣» وجماعة: «بَعْدَ أَمَةٍ»، وهو النسيانُ، وقرأ مجاهد «٤» وشبل: «بَعْدَ أَمْةٍ» - بسكون الميم-، وهو مصْدَرٌ من «أَمِهَ» إِذا نَسِيَ، وبقوله: ادَّكَرَ يقوِّي قول من قال: إِن الضمير في «أنساه» عائدٌ على الساقي، والأمر محتمل، وقرأ الجمهور «٥» :«أنا أنبّئكم»، وقرأ
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٢٤٩). [.....]
(٣) وقرأ بها ابن عمر، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، وأبو رجاء، وقتادة، وشبيل بن عزرة الضّبعي، وربيعة بن عمرو، وزيد بن علي.
ينظر: «الشواذ» (٦٨)، و «المحتسب» (٣٤٤٨)، و «البحر المحيط» (٥/ ٣١٣)، و «الدر المصون» (٤/ ١٨٨).
(٤) قال الزمخشري: ومن قرأ بسكون الميم فقد خطىء. (يعني: أثم) وقال مثله أبو عبيد كما في «اللسان» (أمه).
ينظر: «الكشاف» (٢/ ٤٧٦)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٢٤٩)، و «البحر المحيط» (٥/ ٣١٣)، و «الدر المصون» (٤/ ١٨٨).
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٢٤٩).