آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ

السجن قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ الآية: تقتضي أنه وصف لهما نفسه بكثرة العلم، ليجعل ذلك وصلة إلى دعائهما لتوحيد الله، وفيه وجهان: أحدهما أنه قال يخبرهما بكل ما يأتيهما في الدنيا من طعام قبل أن يأتيهما، وذلك من الإخبار بالغيوب الذي هو معجزة الأنبياء، والآخر أنه قال: لا يأتيكما طعام في المنام إلا أخبرتكما بتأويله قبل أن يظهر تأويله في الدنيا ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي روي أنهما قالا له: من أين لك هذا العلم وأنت لست بكاهن ولا منجم؟ فقال:
ذلكما مما علمني ربي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ يحتمل أن يكون هذا الكلام تعليلا لما قبله من قوله: علمني ربي أو يكون استئنافا.
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ نسبهما إلى السجن إما لأنهما سكناه أو لأنهما صاحباه فيه، كأنه قال يا صاحبيّ في السجن أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ الآية: دعاهما إلى توحيد الله، وأقام عليهما الحجة رغبة في إيمانهما ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً أوقع الأسماء هنا موقع المسميات والمعنى سميتم ما لا يستحق الألوهية آلهة ثم عبدتموها مِنْ سُلْطانٍ أي حجة وبرهان فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً يعني الملك وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا الظن هنا يحتمل أن يكون بمعنى اليقين، لأن قوله: قضي الأمر يقتضي ذلك، أو يكون على بابه، لأن عبارة الرؤيا ظن اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ يعني الملك فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ قيل: الضمير ليوسف، أي نسي في ذلك الوقت أن يذكر الله، ورجا غيره فعاقبه الله على ذلك بأن لبث في السجن، وقيل: الضمير للذي نجا منهما، وهو الساقي. أي نسي ذكر يوسف عند ربه، فأضاف الذكر إلى ربه إذ هو عنده، والرب على هذا التأويل الملك بِضْعَ سِنِينَ البضع من الثلاثة إلى العشرة، وقيل: إلى التسعة، وروي أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين أولا، ثم سجن بعد قوله ذلك سبع سنين.
وَقالَ الْمَلِكُ هو ملك مصر الذي كان العزيز خادما له واسمه ريّان بن الوليد، وقيل: مصعب بن الريان، وكان من الفراعنة، وقيل: إنه فرعون موسى عمّر أربعمائة سنة حتى أدركه موسى وهذا بعيد إِنِّي أَرى في المنام سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ

صفحة رقم 387

أي ضعاف في غاية الهزال يا أَيُّهَا الْمَلَأُ خطاب لجلسائه وأهل دولته لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ أي: تعرفون تأويلها، يقال: عبرت الرؤيا بتخفيف الباء وأنكر بعضهم التشديد، وهو مسموع من العرب، وأدخلت اللام على المفعول به لما تقدم عن الفعل قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي تخاليطها وأباطيلها، وما يكون منها من حديث نفس ووسوسة شيطان بحيث لا يعبر، وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، واحده ضغث، فإن قيل: لم قال أضغاث أحلام بالجمع، وإنما كانت الرؤيا واحدة؟ فالجواب أن هذا كقولك فلان يركب الخيل وإن ركب فرسا واحدا وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ إما أن يريدوا تأويل الأحلام الباطلة، أو تأويل الأحلام على الإطلاق وهو الأظهر وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما هو ساقي الملك وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أي بعد حين يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ يقدر قبله محذوف لا بد منه وهو فأرسلوه فقال: يا يوسف، وسماه صديقا لأنه كان قد جرب صدقه في تعبير الرؤيا وغيرها، والصديق مبالغة من الصدق أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ أي فيمن رأى سبع بقرات وكان الملك قد رأى سبع بقرات سمان أكلتهن سبع عجاف فعجب كيف علتهن وكيف وسعت في بطونهنّ، ورأى سبع سنبلات خضر، وقد التفت بها سبع يابسات حتى غطت خضرتها تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ هذا تعبير للرؤيا، وذلك أنه عبر البقرات السمان بسبع سنين مخصبة وعبر البقرات العجاف بسبع سنين مجدبة فكذلك السنبلات الخضر واليابسة دَأَباً بسكون الهمزة وفتحها «١» مصدر دأب على العمل إذا داوم عليه، وهو مصدر في موضع الحال فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ هذا رأي أرشدهم يوسف إليه، وذلك أن أرض مصر لا يبقى فيها الطعام عامين، فعلمهم حيلة يبقى بها من السنين المخصبة إلى السنين المجدبة، وهي أن يتركوه في سنبله غير مدروس، فإن الحبة إذا بقيت في غشائها انحفظت إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ أي لا تدرسوا منه إلا ما يحتاج إلى الأكل خاصة سَبْعٌ شِدادٌ يعني سبع سنين ذات شدّة وجوع يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ أي تأكلون فيهنّ ما اخترتم من الطعام في سنبله، وأسند الأكل إلى السنين مجازا مِمَّا تُحْصِنُونَ أي تخزنون وتخبئون ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ هذا زيادة على ما تقتضيه الرؤيا، وهو الإخبار بالعام الثامن يُغاثُ النَّاسُ يحتمل أن يكون من الغيث يمطرون، أو من الغوث:

(١). قرأ حفص: دأبا بفتح الهمزة وقرأ الباقون: دأبا بسكون الهمزة.

صفحة رقم 388
التسهيل لعلوم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي
تحقيق
عبد الله الخالدي
الناشر
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية