آيات من القرآن الكريم

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ

المعصية (١) إلا بلطف الله عز وجل وعصمته، فاستجاب ليوسف ربه دعاءه،
وذلك أن قوله: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ﴾ تأويله اللهمَّ اصرف، كما أن تأويل قول القائل: إلا تطعني أعاقبك، أطعني، قاله أبو بكر (٢).
٣٤ - وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ قال ابن عباس (٣): يريد لدعائه، العليم بما يخاف من الإثم.
٣٥ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ﴾ يقال: بدا له في هذا الأمر بداة، إذا تغير رأيه عما كان عليه، وظهر له رأي آخر، قال وهب والسدي (٤): إن امرأة العزيز قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني فضحني في الناس، يخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فظهر للعزيز وأصحابه من الرأي حبس يوسف.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ﴾ يعني آيات براءته من قدِّ القميص من دبر، وخمش الوجه وإلزام الحكيم إياها، وقوله: ﴿إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾، هذا قول المفسرين، وذكر قتادة (٥) في هذا الآيات حز الأيدي، ولست أدري أي آية فيه على براءة (٦) يوسف، فإن

(١) في (ج): (معصية) من غير آل.
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٢٢٠.
(٣) الطبري ١٢/ ٢١٢، الثعلبي ٧/ ٨١ أ، البغوي ٤/ ٢٣٩.
(٤) الطبري ١٢/ ٢١٣، الثعلبي ٧/ ٨١ أ، "زاد المسير" ٤/ ٢٢١، البغوي ٤/ ٢٣٩، القرطبي ٩/ ١٨٧.
(٥) الطبري ١٢/ ٢١٢، عبد الرزاق ٢/ ٣٢٣.
(٦) قال ابن عطية ٧/ ٥٠٥: (وخمش الوجه وحز النساء أيديهن ليس فيهما تبرئة ليوسف، ولا تتصور تبرئة إلا في خبر القميص).

صفحة رقم 108

قيل: أين فاعل بدا؟ قيل هو مضمر دل عليه (ليسجننه)، على تقدير: بدا لهم بداء (١) فقالوا والله (لنسجننه)، واللام في لنسجننه جواب ليمين (٢) مضمرة، كقوله ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ [البقرة: ١٠٢] وقد مر، ورد السجن إلى الياء تغليبًا للأسماء الغيب، كما تقول: قال القوم والله ليكرمن ولنكرمن محمدًا، بالياء والنون، هذا الذي ذكرنا جواب ابن الأنباري (٣) وغيره من النحويين.
وقال الفراء (٤) وأصحابه: قوله ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ قام مقام فاعل بدا؛ لأن تلخيصه: ظهر لهم سجنه، فناب الفعل الذي فيه لام القسم عن فاعل بدا، وذلك لما كان في الكلام معنى قول؛ لأن تأويل قوله (بدا لهم) أي فيما قالوا ودبروا، فصار كقولك: قلت ليقومن عبد الله، فتسد اللام وما بعدها مسد الكلام حين يقال قلن كلامًا فاللام (٥) في (ليسجننه) هذه قصتها؛ إذ كان الفعل الذي قبلها يرجع إلى القول في المعنى.
وذكر أبو علي الفارسي في "المسائل الحلبية" (٦) هذه الآية، فقال: إن أبا عثمان يقول: إن فاعله مضمر فيه، كأنه عنده: ثم بدا لهم بدو، فأضمر الفاعل لدلالة فعله عليه، وجاز هذا وحسن، وإن لم يحسن أن نقول: ظهر ظهور وعلن علن؛ لأن البدو والبدا قد استعمل على معنى غير المصدر،

(١) هذا القول رجحه ابن عطية ٧/ ٥٠٤، القرطبي ٩/ ١٨٦، والتقدير: ثم بدا لهم رأي.
(٢) في (أ): (ليمن).
(٣) "الزاهر" ٢/ ٦١، و"زاد المسير" ٤/ ٢٢١.
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٤٤.
(٥) في (ج): (واللام).
(٦) "المسائل الحلبية" ص ٢٣٩.

صفحة رقم 109

ألا ترى أن قولهم: بدا لهم بدو، بمنزلة ظهر لهم رأي، كما أن قولهم: قيل فيه قول كذلك، فلهذا أقيم المصدر فيه مقام الفاعل، وأما قوله (ليسجننه) فحمله أبو عثمان على أنه حكاية، تقديره: بدا لهم أمر قالوا ليسجننه، فأضمر القول كما قال ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ [الزمر: ٣] أي قالوا، ومثله كثير في التنزيل (١).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ قال أهل اللغة (٢): الحين وقت من الزمان غير محدود يقع على القصير منه والطويل.
قال ابن عباس (٣) في رواية عطاء: يريد إلى انقطاع القالة وما شاع في المدينة من الفاحشة، وقال في رواية الكلبي (٤): الحين هاهنا خمس سنين.
وقال سفيان وعكرمة (٥): سبع سنين.

(١) في هذه المسأله ثلاثة أقوال:
١ - مذهب سيبويه أن ليسجننه في موضع الفاعل أي: ظهر لهم أن يسجنوه، وقال محمد بن يزيد: هذا غلط لا يكون من الفاعل جملة ولكن.
٢ - الفاعل ما دل عليه بدا أي بدا لهم بداءٌ، فحذف الفاعل لأن الفعل يدل عليه.
٣ - أن معنى (بدا له) في اللغة ظهر له ما لم يكن يعرفه، فالمعنى ثم بدا لهم أي لم يكونوا يعرفونه، وحذف هذا لأن في الكلام عليه دليلًا، وحذف أيضًا القول أي قالوا: (ليسجننه) انظر: "الكتاب" ١/ ٤٥٦، و"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ١٤١.
(٢) "تهذيب اللغة" (حين) ١/ ٧١٤، و"لسان العرب" (حين) ٢/ ١٠٧٣.
(٣) القرطبي ٩/ ١٨٧، وفي البغوي ٤/ ٢٣٩، و"زاد المسير" ٤/ ٢٢٢ ونسبوه إلى عطاء.
(٤) البغوي ٤/ ٢٣٩، "زاد المسير" ٤/ ٢٢٢، القرطبي ٩/ ٨٧، الثعلبي ٧/ ٨١ أ.
(٥) الطبري ١٢/ ٢١٣، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١٤١ وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٣٢، والبغوي ٤/ ٢٣٩، وابن عطية ٩/ ٢٩٧، و"زاد المسير" ٤/ ٢٢٢، القرطبي ٩/ ١٨٧، عن عكرمة (تسع سنين).

صفحة رقم 110
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية