آيات من القرآن الكريم

قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ

الشاهدُ، قال ذلك، ونَزَعَ بهذه الآية مَنْ يرى الحُكْم بالإِمارة من العلماء فإِنها معتمدهم، و «يوسُفُ» في قوله: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا: منادًى، قال ابن عباس: ناداه الشاهدُ، وهو الرجل الذي كان مع العزيز «١»، وأَعْرِضْ عَنْ هذا: معناه: عن الكلامِ بِهِ، أي:
اكتمه، ولا تتحدَّث به، ثم رَجَعَ إِليها، فقال: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، أي: استغفري زَوْجَكَ وسيِّدَكَ، وقال: مِنَ الْخاطِئِينَ، ولم يقل «من الخاطئات» لأن الخاطئين أعمّ.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٤]
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)
وقوله سبحانه: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ:
نِسْوَةٌ: جمع قلَّة، وجمعُ التكثير نساءٌ، ويروَى أنَّ هؤلاء النسوة كُنَّ أربعاً: امرأة خبَّازَة، وامرأة ساقية، وامرأة بَوَّابة، وامرأة سَجَّانة، والعزيزُ: المَلِك، والفَتَى: الغلام، وعُرْفُه في المملوك، ولكنَّه قد قيل في غير المملوك ومنه: إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ [الكهف: ٦٠]، وأصل الفتى، في اللغة: الشَّابُّ، ولكن لما كان جُلُّ الخَدَمَةِ شبابا، استعير لهم اسم الفتى، وشَغَفَها: معناه بَلَغَ حتَّى صار مِنْ قلبها موضِعَ الشِّغافِ، وهو على أكثر القولِ: غِلاَفٌ من أغشية القَلْبِ.
وقيل: الشِّغاف: سويداءُ القَلْبِ.
وقيل: الشِّغَافُ: داءٌ يصلُ إِلى القلب.
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ليحضُرْن.
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً: أي: أعَدَّتْ ويَسَّرت ما يُتَّكَأُ عليه من فُرُشٍ ووسَائِد وغَيْرِ ذلك، وقرأ ابن عباس «٢» وغيره: «مُتْكاً» - بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف-،

(١) ذكره ابن عطية (٣/ ٢٣٧).
(٢) وقرأ بها ابن عمر، والجحدري، وقتادة، والضحاك، والكلبي، وأبان بن تغلب، ورويت عن الأعمش.
وأما معنى هذه القراءة- كما حكى المصنف-: هو الأترجّ، وقيل: أيضا: هو الزّماورد، وهو طعام من اللحم والبيض.

صفحة رقم 322

واختلف في معناها، فقيل: هو الأُتْرُنْجَ «١»، وقيل: هو اسمٌ يعمُّ جميع ما يُقْطَعُ بالسِّكِّين، وقولها: اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ: أمر ليوسف، وأطاعها بحسب المُلْك.
وقوله: أَكْبَرْنَهُ: معناه: أعظمنْهُ واستهولن جَمَاله، هذا قولُ الجمهور.
وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ: أي: كَثَّرْنَ الحَزَّ فيها بالسَّكَاكين، وقرأ أبو عمرو «٢» وحده:
«حاشَى للَّهِ»، وقرأ سائر السبعة: حاشَ لِلَّهِ، فمعنى «حَاشَ للَّهِ» : أي: حاشَى يوسُفَ لطاعته للَّه، أو لمكانه من اللَّهِ أنْ يرمَى بِمَا رَمَيْتِهِ به، أوْ يدعَى إِلى مثله، لأَنَّ تلْكَ أفعال البشر، وهو لَيْسَ منهم، إِنما هو مَلَكٌ، هكذا رتَّب بعضهم معنَى هذا الكلامِ على القراءَتَيْنِ، وقرأ الحسنُ «٣» وغيره: «مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلِكٌ كَرِيمٌ» - بكسر اللام من «مَلِك» وعلى هذه القراءة، فالكلامُ فصيحٌ: لَمَّا استعظمن حُسْنَ صورته، قُلْنَ ما هذا مما يَصْلُح أنْ يكون عبداً بشَراً، إِنْ هذا إِلا مما يَصْلُح أنْ يكون مَلِكاً كريماً.
ت: وفي «صحيح مسلم» من حديث الإِسراء: «ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا بِيُوسُفَ صلّى الله عليه وسلّم، وإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ» «٤» انتهى.
وقولها: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ: المعنى: فهذا الذي لُمْتُنَّنِي فيه، وقطعتُنَّ أيديَكُنَّ بسببه: هو الذي جَعَلَنِي ضالَّةً في هواه، ثم أقرَّت امرأة العزيزِ للنّسوة بالمراودة،

ينظر: «المحتسب» (١/ ٣٣٩- ٣٤٠)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٢٣٨)، و «البحر المحيط» (٥/ ٢٠٢)، و «الدر المصون» (٤/ ١٧٤).
(١) هو شجر يعلو، ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون، ذكي الرائحة، حامض الماء.
قال في «اللسان» : الأترجّ: معروف... والعامة تقول: أترنج، وترنج، والأول كلام الفصحاء.
ينظر: «المعجم الوسيط» (٤)، و «لسان العرب» (٤٢٥) (ترج).
(٢) وحجته أنه ليس أحد من العرب يقول: حاشك، ولا حاش لك. وإنما يقال: حاشاك، وحاشا لك.
وحجة الباقين: أنها هكذا في المصحف.
ينظر: «السبعة» (٣٤٢)، و «الحجة» (٤/ ٤٢٢)، و «إعراب القراءات» (١/ ٣٠٩)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٣٨٣)، و «العنوان» (١١٠)، و «شرح شعلة» (٤٣٩)، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢/ ١٤٦)، و «حجة القراءات» (٣٥٩).
(٣) وهي قراءة أبي الحويرث الحنفي، وعبد الوارث عن أبي عمرو.
ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٢٤٠)، و «البحر المحيط» (٥/ ٣٠٤)، و «الدر المصون» (٤/ ١٧٩).
(٤) سيأتي تخريجه في سورة الإسراء.

صفحة رقم 323

واستأمنت إِليهن في ذلك إِذْ عَلِمَتْ أَنهنَّ قد عذرنها.
وفَاسْتَعْصَمَ معناه طلب العِصْمة، وتمسَّك بها، وعَصَاني، ثم جعلَتْ تتوعَّده، وهو يسمع بقولها.
وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ... إِلى آخر الآية.
ت: واعترض ص: بأنَّ تفسيرُ «استعصم» ب «اعتصم» أولى من جعله للطَّلبِ، إِذ لا يلزم من طلب الشيء حصُولُه. انتهى، واللام في «لَيُسْجَنَنَّ» : لام قَسَمٍ، واللام الأولَى هي المؤذنَةُ بالمجيء بالقَسَمِ، و «الصاغرون» : الأذلاَّء، وقَوْلُ يوسُفَ عليه السلام: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ إِلى قوله: مِنَ الْجاهِلِينَ، كلامٌ يتضمَّن التشكِّيَ إِلى اللَّه تعالى من حاله معهن، / وأَصْبُ: مأخوذ من الصَّبْوَة، وهي أفعالُ الصِّبا، ومن ذلك قولُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ: [الطويل]
صَبَا مَا صَبَا حَتَّى عَلاَ الشَّيْبُ رَأْسَه... فَلَمَّا عَلاَهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ ابعد «١»
قال ص: «أصْبُ» معناه: أَمِلْ، وهو جوابُ الشرطِ، والصَّبابة: إِفراط الشوْقِ.
انتهى.
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ أي: أجابه إِلى إِرادته، وصَرَفَ عنه كَيْدُهِنَّ في أنْ حال بينه وبين المعصية.

(١) البيت في «ديوانه» (٦٩)، و «التعازي والمراثي» (٥/ ٢٢)، و «نور القبس» (٥٣).
معنى: صبا ما صبا: قال المرزوقي (٢/ ٨٢١) قوله: «صبا ما صبا» يجوز أن يكون صبا الأول من الصّبا واللهو، وصبا الثاني من الصّباء بمعنى الفتاء فيكون المعنى:
تعاطى اللهو والصبا ما دام صبيا، فلما اكتمل وظهر في رأسه الشيب، فاشتعل، نحى الباطل عن نفسه زاهدا فيه، ورجوعا إلى الحق ورغبة فيما يكسبه الأحدوثة الجميلة من أبواب الصلاح، ويجوز أن يكون المعنى: تعاطى الصبا ما تعاطاه إلى أن علاه المشيب فيسقط التجنيس من البيت وهو يحسن به.
وقال العلوي في الطراز (٢/ ٨٤) :«فقوله: صبا ما صبا فيه من الإبهام البالغ ما لو تناهيت في تفسيره فإنك لا تجد له من البيان مثل ما تجده في إبهامه».
ابعد: قال المرزوقي قوله: (ابعد) (٢/ ٨٢١) قوله (ابعد) من بعد يبعد إذا هلك ولو أراد البعد لقال أبعد بضم العين».
وقال في «جمهرة اللغة» (١/ ٢٤٥) (ب ع د) «بعد يبعد بعدا من النأي فإذا أمرت قلت: أبعد، قال دريد:
«البيت»
.
ويشتد إعجاب يونس بن حبيب بالبيت، ويراه أشعر بيت قالته العرب انظر: «نور القبس» (٥٣)، ينظر:
«ديوان دريد بن الصمة» (٦٩)، تحقيق الدكتور عمر.

صفحة رقم 324
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية