آيات من القرآن الكريم

۞ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]

وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)
وَقالَ نِسْوَةٌ وقال جماعة من النساء وكنّ خمسا: امرأة الساقي، وامرأَة الخباز، وامرأَة صاحب الدواب، وامرأة صاحب السجن، وامرأة الحاجب. والنسوة: اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقى كتأنيث اللمة، ولذلك لم تلحق فعله تاء التأنيث. وفيه لغتان: كسر النون وضمها فِي الْمَدِينَةِ في مصر امْرَأَتُ الْعَزِيزِ يردن قطفير، والعزيز: الملك بلسان العرب فَتاها غلامها. يقال: فتاي وفتأتي، أى غلامى وجاريتي شَغَفَها خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد، والشغاف حجاب القلب، وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب.
قال النابغة:
وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُونَ ذَلِكَ وَالِجٌ مَكَانَ الشِّغَافِ تَبْتَغِيِه الأَصَابِعُ «١»
(١).
وقد حال هم دون ذلك والج مكان الشغاف تبتغيه الأصابع
وعيد أبى قابوس في غير كنهه أتانى ودوني راكش فالضواجع
النابغة، يعتذر إلى النعمان ملك العرب عما قذفه به الواشون، أى وقد حال هم دون التغزل في المحبوبة وغيره من اللذات «والج» داخل مكان الشغاف. ويروى «ولوج الشغاف» أى كولوجه، والشغاف: داء في القلب جهة اليمين تخرجه الأطباء بأصابعهم، فتبتغيه الأصابع: من صفته على أنه حال منه. وقيل: حجاب القلب، أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب، فتبتغيه: صفة للهم، وشبه الأصابع بمن يصح منه الطلب على طريق المكنية والابتغاء تخييل، ثم إنه شبه الهم المعقول بمحسوس وبالغ في ذلك حتى ادعى أن الأصابع تفتش عليه فلا تجده لشدة ولوجه وكمونه في القلب، أو تلمسه وتريد إخراجه. وبين الهم بقوله: وعيد النعمان أبى قابوس وتهديده حال كونه في غير كنه وحقيقته، أى: لم يبلغني بكماله. أو لأنه بلا سبب حصل منى، بل افترى الوشاة على كذباً جاءني. ودوني:
؟؟؟ أمامى هذين الموضعين وهما مسافة بعيدة، ومع ذلك أدركنى الخوف أو بعد المسافة، دلالة على غضب الملك عليه غضباً شديداً.

صفحة رقم 462

وقرئ: شعفها، بالعين، من شعف البعير إذا هنأه «١» فأحرقه بالقطران، قال:
كَمَا شَعَفَ المَهْنُوءَةَ الرَّجُلُ الطّالِى «٢»
وحُبًّا نصب على التمييز فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في خطإ وبُعدٍ عن طريق الصواب بِمَكْرِهِنَّ باغتيابهنّ وسوء قالتهنّ، وقولهنّ: امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعانى ومقتها، وسمى الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحالى غيبة، كما يخفى الماكر مكره. وقيل: كانت استكتمتهنّ سرّها فأفشينه عليها أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ دعتهنّ. قيل: دعت أربعين امرأة منهنّ الخمس المذكورات وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ما يتكئن عليه من نمارق، قصدت بتلك الهيئة وهي فعودهنّ متكئات والسكاكين في أيديهنّ: أن يدهشن «٣» ويبهتن عند رؤيته، ويشغلن عن نفوسهنّ فتقع أيديهنّ على أيديهنّ فيقطعنها، لأن المتكئ إذا بهت لشيء وقعت يده على يده، ولا يبعد أن تقصد الجمع بين المكر به وبهنّ، فتضع الخناجر في أيديهنّ ليقطعن أيديهنّ، فتبكتهنّ بالحجة، ولنهول يوسف من مكرها إذا خرج على أربعين نسوة مجتمعات في أيديهنّ الخناجر، وتوهمه أنهنّ يثبن عليه. وقيل: متكأ:
مجلس طعام لأنهم كانوا يتكؤن للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين، ولذلك «نهى أن يأكل الرجل متكئا» «٤» وآتتهنّ السكاكين ليعالجن بها ما يأكلن. وقيل مُتَّكَأً طعاما، من قولك اتكأنا عند فلان: طعمنا «٥»، على سبيل الكناية، لأن من دعوته ليطعم عندك اتخذت له

(١). قوله «إذا هنأه» في الصحاح «هنأت البعير» إذا طليته بالهناء. وهو القطران. (ع)
(٢).
أتقتلني وقد شعفت فؤادها كما شعف المهنوءة الرجل الطالى
لامرئ القيس، والاستفهام للإنكار والاستبعاد، أو للتعجب. وشعف الجمل: إذا أحرقه بالقطران المغلي على النار، وهنأه: دهنه بذلك القطران، فأطلق الشعف وأريد منه مطلق الإحراق، ثم أريد منه الإحراق بالعشق مجازاً مرسلا ليصح التشبيه في قوله: كما أحرق الإبل المدهونة الداهن لها. وإن كان شغفت بالغين المعجمة فالمعنى:
أصبت شغاف قلبها بالحب، وهو حجاب القلب أو لسانه أو حبة سوداء في وسطه، كما شغف: أى أخاف الإبل المدهونة وراع قلبها الرجل الداهن لها. لأنها تخافه في الأول. وقيل: شبه حبها باستلذاذ الإبل لذلك الطلى بعد دهنها به.
(٣). قوله «يدهشن» أى يتحيرن. أفاده الصحاح. (ع)
(٤). من رواية عبد الملك بن أبى سليمان عن ابن الزبير عن جابر قال «نهى رسول الله ﷺ أن يأكل أحدنا بشماله وبأن يأكل متكئاً» وفي الطبري من حديث ابن مسعود «نهى رسول الله ﷺ عن صومين وصلاتين ولباسين ومطعمين وبيعتين» ومنكحين- إلى أن قال: وأما المطعمان فأن يأكل الرجل بشماله ويمينه صحيح. وأن يأكل متكئا، إسناده جيد. وله في الأوسط وفي مسند الشاميين من حديث أبى الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ «لا تأكل متكئاً. ولا تتخط رقاب الناس يوم الجمعة» وأعله ابن حبان في الضعفاء بزريق بن عبد الله رواية عن عمرو بن الأسود عن أبى الدرداء. وفي الباب عن ابن أبى إهاب.
أخرجه البزار بلفظ «نهى أن نأكل متكئين».
(٥). قوله «طعمنا» لعله «أى طعمناه». (ع)

صفحة رقم 463

تكأة يتكئ عليها. قال جميل:

فَظَلَلْنَا بِنِعْمَةٍ وَاتَّكَأْنَا وَشَرِبْنَا الْحَلَالَ مِنْ قُلَلِهْ «١»
وعن مجاهد مُتَّكَأً طعاما يحزّ حزّا، كأن المعنى يعتمد بالسكين، لأنّ القاطع يتكئ على المقطوع بالسكين. وقرئ متكا بغير همز. وعن الحسن: متكاء بالمدّ، كأنه مفتعال، وذلك لإشباع فتحة الكاف، كقوله «بُمْنتَزاحِ» «٢» بمعنى بمنتزح. ونحوه «يَنْبَاعُ» «٣» بمعنى ينبع. وقرئ:
متكا وهو الأترج، وأنشد:
فَأَهْدَتْ مَتْكَةً لِبَنِى أبِيهَا تَخُبُّ بِهَا العثَمْثَمَةُ الْوِقَاحُ «٤»
وكانت أهدت أترجة على ناقة، وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في سننه أنها شقت بنصفين، وحملا كالعدلين على جمل. وقيل: الزماورد «٥» وعن وهب: أترجا وموزاً وبطيخا.
وقيل: أعتدت لهنَّ ما يقطع، من متك الشيء بمعنى بتكه إذا قطعه. وقرأ الأعرج: مُتَّكَأً مفعلا، من تكئ يتكأ، إذا اتكأ أَكْبَرْنَهُ أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائع والجمال الفائق.
قيل: كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «مررت بيوسف الليلة التي عرج بى إلى السماء، فقلت لجبريل: من هذا؟
فقال يوسف»
فقيل: يا رسول الله، كيف رأيته؟ قال «كالقمر ليلة البدر «٦» » وقيل كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران، كما يرى نور الشمس من الماء عليها.
(١). لحميد بن ثور. وقيل لجميل بن معمر. وظل يظل من باب علم. يقول: فظللنا في نعمة أو ملتبسين بنعمة.
واتكأنا: أصله اوتكأنا فتاؤه الأولى واو: أى اتخذنا متكأ اضطجعنا عليه، وشربنا الشراب الحلال يمنى النبيذ، من قلله: جمع قلة، وهي الجرة العظيمة. ففي ذكر القلل دلالة على التوسع في الشرب وعدم التحجر فيه.
(٢). قوله «بمنتزاح» هو من قول الشاعر:
وأنت من الغوائل حين ترمى وعن ذم الرجال بمنتزاح
والبيت لابن هرمة يرثى ابنه. والغوائل: الحوادث التي تغتال النفوس وتهلكها. ونزح: إذا بعد، والمنتزح:
اسم لمكان البعد، وأشبعت فتحته فتولدت منها الألف كقولهم: ينباع في ينبع، وعقراب في عقرب. [.....]
(٣). قوله «ينباع» هو من قول الشاعر:
ينباع من ذفرى أسيل حرة زيافة مثل الفنيق المكدم
وقد مر شرح هذا البيت في سورة الأعراف بهذا الجزء صفحة ١٢٢ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٤). المتكة: الأترجة، وكأنه التي ذكر أبو داود في سننه أنها شقت نصفين وحملت على ناقة. والخبب:
نوع من السير. والعثمثمة: الصلبة: والوقاح- بالفتح-: شديدة وقع الخف على الأرض.
(٥). قوله «الزماورد» هو الرقاق المحشو باللحم. (ع)
(٦). أخرجه الثعلبي من رواية أبى هارون العبدى عن أبى سعيد. وأخرجه الحاكم والبيهقي في الدلائل وابن مردويه من هذا الوجه مطولا.

صفحة رقم 464

وقيل: ما كان أحد يستطيع وصف يوسف. وقيل: كان يشبه آدم يوم خلقه ربه. وقيل: ورث الجمال من جدّته سارة. وقيل: أكبرن بمعنى حضن، والهاء للسكت. يقال: أكبرت المرأة إذا حاضت، وحقيقته: دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حدّ الصغر إلى حدّ الكبر، وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله:

خَفِ اللَّهَ وَاسْتُرْ ذَا الْجَمَالَ بِبُرْقُعٍ فَإنْ لُحْتَ حَاضَتْ فِى الْخُدُورِ الْعَوَاتِقُ «١»
قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ جرحنها، كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي، تريد: جرحتها حاشَ كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء. تقول: أساء القوم حاشا زيد. قال:
حَاشَا أَبِى ثَوْبَانَ إنَّ بِهِ ضَنَّا عَنِ المَلْحَاةِ وَالشَّتْمِ «٢»
وهي حرف من حروف الجر، فوضعت موضع التنزيه والبراءة، فمعنى «حاشا الله» براءة الله وتنزيه الله، وهي قراءة ابن مسعود، على إضافة حاشا إلى الله إضافة البراءة. ومن قرأ:
حاشا لله، فنحو قولك: سقيا لك، كأنه قال: براءة، ثم قال: لله، لبيان من يبرأ وينزه.
والدليل على تنزيل «حاشا» منزلة المصدر: قراءة أبى السمال: حاشَ لِلَّهِ، بالتنوين. وقراءة أبى عمرو حاشَ لِلَّهِ بحذف الألف الآخرة. وقراءة الأعمش حاشَ لِلَّهِ بحذف الألف الأولى.
وقرئ حاشَ لِلَّهِ بسكون الشين، على أن الفتحة تبعت الألف في الإسقاط، وهي ضعيفة لما فيها من التقاء الساكنين على غير حدّه. وقرئ: حاشا الإله. فإن قلت: فلم جاز في حاشا لله أن لا ينوّن بعد إجرائه مجرى: براءة لله؟ قلت: مراعاة لأصله الذي هو الحرفية. ألا ترى إلى
(١). لأبى الطيب، يقول: اتق الله واستر هذا الجمال الذي في وجهك ببرقع، لأنك إن ظهرت حاضت العواتق، أى خيار النساء وهن في خدورهن، لما ينظرن من جمالك. ولاح يلوح: ظهر يظهر.
(٢).
حاشا أبى ثوبان إن أبا ثوبان ليس ببكمة فدم
عمرو بن عبد الله إن به ضنا عن الملحاة والشتم
للمنقذ بن الطماح وهو الجميح الأسدى. وحاشا: كلمة تبرئة وتنزيه واقعة موقع المصدر مضافة لما بعدها، كسبحان الله. ويجوز أنها حاشا الاستثنائية، وهي حرف جر عند الأكثر. ورواه الضبي: حاشا أبا ثوبان بالنصب، فهو فعل، واحتمال لغة القصر ضعيف لشهرة لغة الاعراب بالحروف. وعلى الأول فبناؤها لمشابهتها للحرفية لفظا ومعنى.
وبكم الرجل- كتعب-: إذا عجز عن الكلام. وقدم كسهل وظرف، إذا عجز عن الحجة كأن فمه مسدود.
والضن- بالكسر-: البخل. والملحاة: مفعلة، من لحاه إذا لامه. واللحاء- كالرداء- مفاعلة من اللحن والعذل، من لحوت العود إذا قشرته. وتكرير أبى ثوبان لتعظيمه والتنويه باسمه، ليس ببكمة بالضم، أى ذى بكمة، أى:
ليس بأبكم، ولا قدم: أى عاجز عن الكلام. وعمرو: قيل إنه بدل من أبى ثوبان، فقوله: إن أبا ثوبان الخ:
جملة اعتراضية مبينة لوجه التنزيه. وفي قوله: إن به ضنا، بيان لوجه سكوته عن مؤاخذة اللئام. والمعنى: إن به امتناعا وتنزها عن اللؤم والشتم.

صفحة رقم 465

قولهم: جلست من عن يمينه، كيف تركوا «عن» غير معرب على أصله؟ وعلى «١» في قوله «غدت من عليه» منقلب الألف إلى الياء مع الضمير؟ والمعنى: تنزيه الله تعالى من صفات العجز، والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله. وأما قوله حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله ما هذا بَشَراً نفين عنه البشرية لغرابة جماله ومباعدة حسنه «٢»، لما عليه محاسن الصور، وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم، وذلك لأن الله عز وجل ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك، كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان، ولذلك يشبه كل متناه في الحسن والقبح بهما، وما ركز ذلك فيها إلا لأنّ الحقيقة كذلك، كما ركز في الطباع أن لا أدخل في الشر من الشياطين، ولا أجمع للخير من الملائكة، إلا ما عليه الفئة الخاسئة «٣» المجبرة من تفضيل الإنسان على الملك، وما هو إلا من تعكيسهم للحقائق، وجحودهم للعلوم الضرورية، ومكابرتهم في كل باب، وإعمال «ما» عمل «ليس» هي اللغة القدمى الحجازية «٤» وبها ورد القرآن. ومنها قوله تعالى ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ومن قرأ على سليقته من بنى تميم، قرأ «بشر» بالرفع. وهي في قراءة ابن مسعود. وقرئ: ما هذا بشرى، أى ما هو بعبد مملوك لئيم إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ تقول هذا بشرى، أى حاصل بشرى، بمعنى: هذا مشرى. وتقول: هذا لك بشرى أم بكرى؟
والقراءة هي الأولى، لموافقتها المصحف، ومطابقة بشر لملك قالَتْ فَذلِكُنَّ ولم تقل فهذا وهو حاضر «٥»، رفعاً لمنزلته في الحسن، واستحقاق أن يحب ويفتتن به، وربئاً بحاله واستبعاداً

(١). قوله «على أصله وعلى في قوله» عطفه يحتاج إلى تكلف، أى: وإلى قوله غدت من عليه بعد مأتم ظمؤها كيف ترك على في قوله. ويمكن أن التقدير: ألا ترى إلى قولهم الخ وعلى في قوله أى: وألا ترى على... الخ. (ع)
(٢). قال محمود: «نفين عنه البشرية لغرابة جماله ومباعدة حسنه... الخ» قال أحمد: تقدم القول في مسألة التفضيل شافياً، والزمخشري لا يدعه التعصب للمعتقد الفاسد أن يحمله على مثل هذه المشافهات، يرمى بها أهل الحق فينسب إليهم الإجبار والخسار والمكابرة في الضروريات وجحد الحقائق تعكيساً، وهذا كله هم برآء منه، وحسبه من المقابلة بذلك خطؤه في اعتقاد أن تفضيل الملك عند قائله ليس ضروريا ولا عقلياً نظريا، ولكن سمعياً، وقد قنع في الاستدلال على هذه العقيدة بالضرورة التي ادعى أنها مركوزة في الطباع، ثم حكم بأن كل مركوز في الطباع حق، وخصوصاً والكلام في طباع النساء القائلات: ما هذا بشرا. وإذا كان كل مركوز في الطباع حقاً، فما ركز فيها حب الشهوات وإيثار العاجلة وجميع أمهات. الذنوب مركوز في الطباع، أفيكون ذلك حقاً إلا عند ناظر بعين الهوى، أعشى في سبيل الهدى، والله ولى التوفيق.
(٣). قوله «إلا ما عليه الفئة الخاسئة» يريد أهل السنة، وقد أساء في تعصبه للمعتزلة فعفا الله عنه. (ع)
(٤). قوله «ليس هي اللغة القدمى الحجازية» بمعنى القديمة، لكن لم يذكرها في الصحاح. (ع)
(٥). قال محمود: «لم لم تقل فهذا وهو حاضر... الخ» قال أحمد: وبهذا أجبت عما أورده من السؤال في قوله تعالى أول البقرة الم ذلِكَ الْكِتابُ لما جعل الاشارة إلى الحروف المذكورة فقال: إن قلت كيف أشار إليها وهي قريبة كما يشار إلى البعيد، وأجاب هو بأن كل متقض بعيد، وأجبت أنا بأن الاشارة بذلك إلى بعيد منزلة هذا الكتاب بالنسبة إلى كتب الله تعالى.

صفحة رقم 466
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية