
في آخرين. والثاني: أنه كان من خاصة الملك. رواه ابن أبي مليكة عن ابن عباس. وقال أبو صالح عن ابن عباس: كان ابن عم لها، وكان رجلاً حكيماً، فقال: قد سمعنا الاشتداد والجلبة من وراء الباب، فإن كان شقُّ القميص من قدَّامه فأنتِ صادقة وهو كاذب، وإِن كان من خلفه فهو صادق وأنت كاذبة، وقال بعضهم: كان ابن خالة المرأة. والثالث: أنه شقُّ القميص، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وفيه ضعف، لقوله: مِنْ أَهْلِها.
فإن قيل: كيف وقعت شهادة الشّاهد ها هنا معلَّقة بشرط، والشارط غير عالم بما يشرطه؟
فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أن الشاهد شاهد بأمر قد علمه، فكأنه سمع بعض كلام يوسف وأزليخا، فعلم، غير أنه أوقع في شهادته شرطاً ليَلزم المخاطبين قبولُ شهادته من جهة العقل والتمييز، فكأنه قال: هو الصّادق عندي، فإن تدبّرتم ما أشترطه لكم، عقلتم قولي، ومثل هذا قول الحكماء: إِن كان القَدَر حقاً، فالحرص باطل، وإِن كان الموت يقيناً، فالطمأنينة إِلى الدنيا حمق.
والجواب الثاني: أن الشاهد لم يقطع بالقول، ولم يعلم حقيقة ما جرى، وإِنما قال ما قال على جهة إِظهار ما يسنح له من الرأي، فكان معنى قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ: أعلم وبيَّن. فقال: الذي عندي من الرأي أن نقيس القميص ليوقَف على الخائن. فهذان الجوابان يدلان على أن المتكلم رجل.
فإن قلنا: إِنه صبي في المهد، كان دخول الشرط مصحِّحاً لبراءة يوسف، لأن كلام مثله أعجوبة ومعجزة لا يبقى معها شكّ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٨]
فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)
قوله تعالى: فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ في هذا الرائي والقائل: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ قولان:
أحدهما: أنه الزوج. والثاني: الشاهد.
وفي هاء الكناية في قوله: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ «١» ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترجع إِلى تمزيق القميص، قاله مقاتل. والثاني: إِلى قولها: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً، فالمعنى: قولكِ هذا من كيدكن، قاله الزجاج. والثالث: إِلى السوء الذي دعته إِليه، ذكره الماوردي.
قال ابن عباس: إِنَّ كَيْدَكُنَّ أي: عملكن عَظِيمٌ تخلطن البريء والسّقيم.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩) وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠)