آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

قال مجاهد (١): كانوا يقولون شددوه لا يأبق، وعلى هذا الزهادة فيه من صفة السيارة، ويجوز أن يعود الكناية في قوله (فيه) إلى الثمن، والمعنى أن السيارة كانوا من الزاهدين في ذلك الثمن، لقلته ورداءته.
٢١ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ﴾ قال جويبر عن الضحاك (٢): الذي اشتراه من مصر هو العزيز ملك مصر.
وقال محمد بن إسحاق (٣) باعه مالك بن ذعر وهو الذي استخرجه من البئر من العزيز وهو اطفير بن روحيب، وكان على خزائن الملك وأمره، وكان الملك في ذلك الدهر الريان بن الوليد رجلاً من العمالقة.
وقال الكلبي عن ابن عباس (٤): العزيز لم يكن الملك، إنما كان وزير الملك وصاحب أمره.
وقال مقاتل بن سليمان (٥): باع مالك بن ذعر من قطفير بن ميشا بعشرين دينارًا، وزاده حلة ونعلين، ومعنى الاشتراء والشراء هاهنا الاستبدال لا المنعقد بيعًا وشراءً كقوله ﴿اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ (٦) وقد مر، وقوله ﴿لِامْرَأَتِهِ﴾ اللام من صلة القول، أي: قال لامرأته.

(١) الطبري ١٢/ ١٨٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١١٧ ب، وابن أبي شيبة: وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٨.
(٢) الطبري ١٢/ ١٧٥، القرطبي ٩/ ١٥٨.
(٣) الطبري ١٢/ ١٧٥، القرطبي ٩/ ١٥٨، الثعلبي ٧/ ٦٨ ب.
(٤) "تنوير المقباس" ص ١٤٨، الثعلبي ٧/ ٦٨ ب.
(٥) "تفسير مقاتل" ١٥٢ ب.
(٦) البقرة: ١٦، ١٧٥ وقال هناك: حقيقة الاشتراء الاستبدال، وكل شراء استبدال، وليس كل استبدال اشتراء.

صفحة رقم 59

قال ابن عباس (١) في رواية الكلبي: اسم امرأة العزيز زليخا، وهو قول مقاتل (٢)، وقال شعيب الجبائي (٣): اسمها زليخة، وقال محمد بن إسحاق (٤): اسمها راعيل.
وقوله تعالى: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ أي أكرمي منزله ومقامه عندك، من قولك: ثويت بالمكان، إذا أقمت به، ومصدره الثواء، يقال: ثوى يثوي (٥) ثوًا. قال ابن عباس (٦): يريد أكرميه ما كان عندك.
نحو هذا قال الزجاج (٧) المعنى: أحسني إليه في طول مقامه عندنا، فالمثوى على هذا بمنزلة الظرف، كأنه قيل: أحسني إليه مدة مقامه عندنا، والمثوى على هذا مصدر، ومن المفسرين من يجعل المثوى الموضع الذي يقيم فيه، وهو قول قتادة (٨) وابن جريج (٩)، وعلى هذا أمر العزيز امرأته بإكرام مثواه، دون إكرام نفسه فقط، ومعنى الإكرام، إعطاء المراد على جهة الإعظام.

(١) "تنوير المقباس" ص ١٤٨، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٨، والبغوي ٤/ ٢٢٥.
(٢) "تفسير مقاتل" ١٥٢ ب، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٨.
(٣) لم أجده في مظانه، وهذا القول هو قول مقاتل، وانظر: "زاد المسير" ٤/ ١٩٨، الرازي ١٨/ ١٠٩، البغوي ٤/ ٢٢٥، القرطبي ٩/ ١٥٨.
(٤) الطبري ١٢/ ١٧٥، ابن أبي حاتم ٧/ ٢١١٧ ب، وانظر: "الدر المنثور" ٤/ ١٩، والثعلبي ٧/ ٦٩ أ، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٨.
(٥) في (ج): (يثوى ثواء) وهو الصحيح كما في "تهذيب اللغة" ١/ ٥١٠.
(٦) انظر: البغوي ٤/ ٢٢٥، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٨، والقرطبي ٩/ ١٥٩.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٩٨.
(٨) الطبري ١٢/ ١٧٥، الثعلبي ٧/ ٦٩ أ.
(٩) الطبري ١٢/ ١٧٥، الثعلبي ٧/ ٦٩ أ.

صفحة رقم 60

وقوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾ أي يكفينا -إذا بلغ وفهم الأمور (١) - بعض شؤوننا، ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ قال ابن عباس (٢): [وكان لا يولد له وكان حَصُورًا.
وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس (٣)] (٤) يريد ملكناه في أرض مصر، قال الزجاج (٥): أي: ومثل الذي وصفنا مكنا ليوسف في الأرض. وعلى هذا وجه التشبيه في ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا﴾ أنه شبه التمكين له في الأرض بالتوفيق للأسباب التي صار بها إلى ما صار بالنجاة من الهلاك، والإخراج من البئر، يعني: وكما أنجيناه من إخوته حين هموا بقتله وإهلاكه، وأخرجناه من ظلمة البئر، مكنا له في الأرض حتى بلغ ما بلغ، قال ابن عباس (٦) والمفسرون (٧): يعني أرض مصر.
وقوله تعالى: ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ اختلفوا في هذه الواو، فقال أكثرهم (٨): إنها مستأنفة وخبرها مضمر على تقدير: ولنعلمه من تأويل الأحاديث فعلنا ذلك، أو مكنا له في الأرض، كقوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ

(١) هذه عبارة الثعلبي ٧/ ٦٩ أ.
(٢) القرطبي ٩/ ١٦٠، ابن عطية ٧/ ٤٦٨.
(٣) "تنوير المقباس" ص ١٤٨، و "زاد المسير" ٤/ ١٩٨.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٩٩.
(٦) "تنوير المقباس" ص ١٤٨.
(٧) الطبري ١٢/ ١٧٦، البغوي ٢/ ٤١٧، الرازي ١٨/ ١٠٩، "زاد المسير" ٤/ ١٩٨، الثعلبي ٧/ ٦٩ ب.
(٨) انظر: "زاد المسير" ٤/ ١٩٨.

صفحة رقم 61

الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا} [الصافات: ٦، ٧] أي: وحفظًا زيناها، وعند الكوفيين يجوز أن يكون الواو مقحمة.
وقال بعضهم: هي عاطفة على معنى الكلام المتقدم بتقدير: دبرنا ذلك لنمكنه في الأرض ولنعلمه. وذكرنا معنى (تأويل الأحاديث) عند قوله ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ [يوسف: ٦].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ قال ابن عباس (١) في رواية عطاء: يريد على ما أراد من قضائه، وعلى هذا الكناية في (أمره) تعود إلى اسم الله تعالى وعز، ونحو هذا قال في رواية الكلبي عن أبي صالح (٢) عنه، فالمعنى: أن الله لا يغلبه على أمره غالب، ولا يبطل إرادته منازع فهو قادر على أمره من غير مانع (٣)، وتفسير مقاتل بن سليمان (٤) يدل على أن الهاء عائدة على يوسف، والمعنى: والله غالب على أمر يوسف، فلا يبسط عليه يد عدو، ولا يوصل إليه كيد كائد، لما يريد من رفعه وتمكينه وتبليغه منازل آبائه.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قال ابن عباس (٥): يريد لا يعلمون غيبي وما أريد بخلقي، وقال غيره (٦): لا يعلمون ما الله بيوسف صانع، وما إليه يوسف صائر، والأكثر هاهنا عبارة عن جميع الناس، لا أحد يعلم ما يأتي في غد، ويجوز أن يقال: إنما قال: (أكثر الناس)؛

(١) البغوي ٢/ ٢٢٦، و"زاد المسير" ١٤/ ١٩٩.
(٢) "تنوير المقباس" ص ١٤٨.
(٣) في (أ)، (ج): (صانع).
(٤) "تفسير مقاتل" ١٥٢ب، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٩.
(٥) القرطبي ٩/ ١٩١.
(٦) الطبري ١٢/ ١٧٦، الثعلبي ٧/ ٧٠ أ، البغوي ٤/ ٢٢٦.

صفحة رقم 62
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية