
أيهما الذئب بإذن الله، فوقف الذئب مقعى على ذنبه. فقال له: يعقوب: أسألك أيها الذئب بالذي اتخذني نبياً، وبعثني رسولاً. هل أكلت يوسف فيما أكلت؟ فقال له الذئب: والذي بعثك رسولاً، واتخذ (ك) نبياً. إن هذه البلاد ما دخلتها إلا ساعتي هذه، ثم حكى ليعقوب ما صنعوا به وبالحمل. ثم قال الذئب: يا نبي الله، وأنا أسمو إلى أكل نبيي! أو ما علمت أن لحوم الأنبياء محرمة على السباع؟ قال له يعقوب: اصدقت أيها الذئب. أنت كنت أشفق على يوسف من أخوته "، اذهب حيث شئت.
قوله: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ﴾ - إلى قوله - ﴿أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
والمعنى: ومر قوم يسيرون، من مارة الطريق، ﴿فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ﴾: وهو

الذي يرد المنهل (أ) والمنزل، وور (و) ده إياه، مصير إليه ﴿فأدلى دَلْوَهُ﴾، أي: أدخلها الجب، وأرسلها. يقال: أدليت الدلو: إذا أرسلتها في الجب، ودلوتها إذا أخرجتها؟. وفي الكلام حذف، والمعنى: فدلى دلوه: أي: أخرجها فتعلق بها (يوسف)، فقال المدل (ي): (يا بشراي هذا غلام).
فقال السدي: لما رآه قد تعلق، نادى رجلاً من أصحابه، يقال له: بشرى: يا بشرى، هذا غلام. وكذلك قال ابن جبير، وقتادة.
وهو معنى قراءة من قرأ " يا بشراي ".

وقيل المعنى: يا بشار (ت) ي دعا بشارته.
ومن قرأ بغير ياء، احتمل أن يكون دعا رجلاً اسمه بشرى فلم يضفه إلى نفسه فهو في موضع رفع.
وقيل: إنه دعا البشرى، كأنه قال: يا أيتها البشرى.
ومعنى نداء البشرى: أنه على تنبيه المخاطبين، وتوكيد القصة. فكأنه قال: يا قوم أبشروا، ويجوز أن تكون هذه / القراءة، يراد بها الإضافة، ثم حذف (ت) الياء.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ أي: وأسر يوسف الوُرَّادً بضاعة من

التجار. قالوا لهم: هو معنا بضاعة، استَبْضَعْنَاهُ، بعض أهل الماء " التي " إلى مصر. وذلك أن السدي قال: لما رفعه المستدلي، وأصحابه، باعو (هـ) من رجلين. فخاف من التجار أن يعلموا بثمنه. فيقول (ون) لهما: أشركانا فيه. فقالوا: هو بضاعة (معنا) لأهل الماء.
وقال مجاهد: المعنى " أسره التجار بعضهم من بعض ".
وعن ابن عباس: أن المعنى: وأسره إخوته، وأسر يوسف نفسه (من التجار) خوفاً أن يقتله إخوته. واختار البيع، وذلك أن إخوته ذكروه لوارد

القوم، فنادوا الوارد: يا بشرى هذا غلام يباع، فباعه إخوته.
ثم قال تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ أي: بثمن ذي بخس، أي: حرام. وقوله: (وشَرُوْهُ): يحتمل أن يكون معناه: وباعون، وأن يكون اشتروه، وهو من الأضداد.
قال مجاهد: باعه إخوته حين أخرجه المدلى.
وقال قتادة: وغيره: المعنى: وباعه السيارة من بعض التجار، بثمن بخس. وقيل: المعنى: فاشتراه السيارة من أخوته بثمن بخس، وهو اختيار الطبري، ثم خافوا أن يشركهم فيه أصحابهم، وقالوا هو بضاعة.
معنى: ﴿وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين﴾، أي: إخوته.

وقيل: هم الذين اشتروه، والأول أحسن، لأن إِشْراءَهُم إياه من التجار يدل على (آن) رغبتهم فيه، وبيع إخوته له بثمن بخس يدل على زهادتهم فيه.
ويجوز أن يكون الضمير: الوارد، أي: وكان الوارد الذي رفعه من الجب فيه من الزاهدين، والذين اشتروه من الوراد، وليسوا بزاهدين فيه، بل اشتروه خوفاً أن يشركهم فيه غيرهم لرغبتهم فيه.
والبخس عند ابن عباس، والضحاك: الحرام.
وقيل: هو الظلم، وهو قول قتادة.
وقال مجاهد: هو القليل، وهو قول عكرمة. والبخس في اللغة النقصان، فمعناه: [ب] ثمن مبخوس: أي: منقوص.
ومعنى ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾: أي: غير موزونة، ناقصة.

وقيل: المعنى: أنها أقل من أربعين، لأنهم كانوا لا يزنون ما كان أقل من أربعين، لأ (ن) أقل أوزانهم، وأصغرها الأوقية، (وهي) أربعون درهماً.
وقال ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما: كانت عشرين درهماً.
وقال مجاهد: كانت اثنين وعشرين درهماً، أخذ كل واحد من إخوة يوسف درهمين، درهمين، وهم أحد عشر رجلاً.
وقال عكرمة: كانت أربعين. وكان إخوة يوسف فيه من الزاهدين، لا يعلمون نبوءته وكرامته على الله.
ثم قال (تعالى): ﴿وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي (مَثْوَاهُ)﴾: والذي اشتراه: هو الملك بمصر. قطفير وهو العزيز. وكان على خزائن مصر، وكان

الملك المعظم عندهم / يومئذ: الريان بن الوليد، رجل من العمالقة. وكان اسم امرأة العزيز راعيل، وكان الملك زوجها لا ولد له، ولم يكن يأت [ي] النساء، فأراد أن يتبناه.
وروي عن ابن مسعود أنه، قال: أفرس الناس ثلاثت [ة]: العزيز، حين قال لامرأته ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾، وابنة شعيب حين قالت لأبيها: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي (الأمين)﴾ [القصص: ٢٦]، وأبو بكر الصديق، رضي الله عنهـ، حين ولى عمر، رضي الله عنهـ.
ثم قال تعالى: ﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض﴾: والمعنى وكما خلصناه من القتل من أيدي إخته، كذلك مكنا له في الأرض، فجعلناه على خزائنها.

وقيل: المعنى: وكذلك مكنا له في الأرض، بأن عطفنا قلب الملك عليه حتى تمكن على الخزائن.
﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾: مكناه، وهذا تصديق ليعقوب في قوله ليوسف: ﴿وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ [يوسف: ٦]: وتأويل الأحاديث عبارة الرؤيا.
﴿والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ﴾: أي: مستولٍ على أمر يوسف.
وقيل: غالب على أمره: أي (مستول على أمره)، يفعل ما يشاء. " فالهاء " [في] المعنى الأول ليوسف، وفي الثاني لله. وقيل: إنها في القول الثاني ليوسف (أيضاً). [أي]: غالب على أمر يوسف، يفعل فيه ما يشاء.
﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾: وهم الذين باعوه بثمن بخس، وزهدوا فيه،