آيات من القرآن الكريم

وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ

وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ قال أهل المعاني: هذا بيان عما يوجبه التقى من الصبر الجميل عند المصيبة، والاستعانة بالله عزّ وجلّ عندما يعرض من الأمور الهائلة.
١٩ - قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ قال المفسرون (١): يعني رفقة تسير للسفر، ﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾ وهو الذي يرد الماء ليستقي للقوم.
وقوله تعالى: ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾ قال عامة أهل اللغة (٢): يقال: أدلى دلوه، إذا أرسلها في البئر، ودَلّاها: إذا نزعها من البئر، يقال: أدلى يدلي إدلاءً إذا أرسل، ودلى يدلو دلوًا، إذا جذب وأخرج.
قال الشاعر (٣):
يَنْزِعُ من جَمّاتِها دَلْو الدَّالىِ
أي ينزع النازع، والدلو معروف، والجميع الدلاء، والعدد إدل ودُلي، ويقال للدلو دلاة.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ قال ابن عباس (٤) وقتادة (٥) والسدي (٦): لما أدلى المدلي تشبث يوسف بالرشا فأخرجه الوارد، فقال: يا بشراي. قال الحسن (٧): يا بشراي مثل: يا فرحتنا، وهو في موضع نصب؛ لأنه نداء مضاف.

(١) الثعلبي ٧/ ٦٧ ب.
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ١٢١٣ مع تقديم وتأخير، (دلا).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) "زاد المسير" ٤/ ١٩٤.
(٥) عبد الرزاق ٢/ ٣٠٢، والطبري ١٢/ ١٦٧، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١١٣ ب، وابن المنذر كما في "الرد" ٤/ ١٧، القرطبي ٩/ ١٥٣.
(٦) الطبري ١٢/ ١٦٧، والقرطبي ٩/ ١٥٣.
(٧) "تفسير كتاب الله العزيز" ٢/ ٢٦٠.

صفحة رقم 51

قال ابن الأنباري: وقع النداء في اللفظ بالبشرى، وهو في المعنى واقع لغيرها، تأويله: يا هؤلاء تنبهوا لبشراي. وهذا معنى قول أبي إسحاق (١)، ومعنى النداء في هذه الأشياء التي لا تجيب تنبيه المخاطبين، وتوكيد القصة إذا قلت: يا عجباه، فكأنك قلت: اعجبوا، وذكر وجهًا آخر، وهو أن يكون المعنى: يا أيتها البشرى هذا من إيانك وأوانك، وزاد أبو علي (٢) لهذا الوجه بيانًا، فقال: المعنى فيه أن هذا من أوانك ولو كنت ممن يخاطب لخوطبت الآن، وهذا في كل منادى لا يجيب ولا يعقل.
وقرأ أهل (٣) الكوفة ﴿يَا بُشْرَى﴾ من غير إضافة، وهذه القراءة كالأولى في أنه نداءٌ لمن لا يجيب، إلا أن هذا نداءٌ غير مضاف فيكون رفعًا، قال السدي (٤): نادى المدلي صاحبه وكان اسمه بشرى، فقال: يا بشراي، كما تقول: يا زيد.
وروي عن الأعمش (٥) أنه قال: دعا امرأة اسمها بشرى.
قال أبو علي (٦): من جعل البشرى اسمًا للبشارة وهو الوجه، جاز أن يكون في محل الرفع مثل: يا رجل، لاختصاصه بالنداء، وجاز أن يكون في موضع نصب على أن يجعله نداءً شائعًا في جنس البشرى ولم يخص كما

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٩٧.
(٢) "الحجة" ٤/ ٤١٢.
(٣) "السبعة" ص ٣٤٦، و"النشر" ٣/ ١٢٤، و"إبراز المعاني" ص ٥٣٣، و"إتحاف" ص ٢٦٣.
(٤) الطبري ١٢/ ١٦٧ - ١٦٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١١٣أ، وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٧، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٤، والقرطبي ٩/ ١٥٣.
(٥) الرازي ١٨/ ١٠٦، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٤.
(٦) "الحجة" ٤/ ٤١١.

صفحة رقم 52

فعلت في الوجه الأول، كما يقول: يا رجلاً، و ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس: ٣٠]، فالوجه الأول على أنه بشرى مختصة، والآخر أن ينزله من جملة كلها مثلها في الشياع، إلا أن التنوين لم يلحق بشرى لأنه لا ينصرف.
وقوله تعالى: ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾، قال مجاهد (١) والسدي (٢) وأكثر المفسرين (٣): أسره الوارد وجاءوا من كان معه من التُّجار من الذين معهم في الرفقة، وقالوا لهم: هو بضاعة استبضعناها بعض أهل الماء إلى مصر، خيفة أن يطلبوا منهم فيه الشركة؛ لرخص ثمنه.
قال إسحاق بن بشر (٤): قالوا فيما بينهم: إن قلنا لهم التقطناه شاركونا، وإن قلنا اشتريناه، سألونا الشركة، فنقول: إن أهل الماء أبضعوه معنا على أن نبيعه لهم بمصر، قال ابن عباس (٥) في رواية عطية: (أسروه) يعني: إخوة يوسف أسروا شأنه أن يكون أخاهم، وقالوا: هو عبد لنا أبق منا، وتابعهم يوسف على ذلك؛ لأنهم توعدوه بالقتل بلسان العبرانية.

(١) الطبري ١٢/ ١٦٨، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١١٤أوابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ١٨، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٥، والثعلبى ٧/ ٦٨ أ، والبغوي ٤/ ٢٢٤.
(٢) الطبري ١٢/ ١٦٩، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١١٤ أ.
(٣) الطبري ١٢/ ١٦٨، الثعلبي ٧/ ٦٨ أ، البغوي ٤/ ٢٢٤، و"زاد المسير" ٤/ ١٩٥، الرازي ١٨/ ١٠٦.
(٤) هو: إسحاق بن بشر أبو حذيفة البخاري، له كتاب المبتدأ، تركوه وكذبه ابن المديني، وقال الدارقطني: كذاب متروك. توفي سنة ٢٠٦ هـ. انظر: "ميزان الاعتدال" ١/ ١٨٤، و"الأعلام" ١/ ٢٩٤، و"معجم المؤلفين" ١/ ٣٤٠. وانظر: الرازي ١٨/ ١٠٧.
(٥) الطبري ١٢/ ١٦٨، الثعلبي ٧/ ٦٨ أ، "زاد المسير" ٤/ ١٩٥، ابن عطية ٧/ ٤٦٣.

صفحة رقم 53
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية