
وبالجملة ان طريق التصفية طريقة صعبة ومن أسبابها الأدب والمحنة ولذلك ورد (ما أوذي نبى مثل ما أوذيت) اى ما صفى نبى مثل ما صفيت وذرة من محنة هذه الطريقة العلية أعلى من كثير من الكشف والكرامات وما ابتلى الله أحدا بمثل ما ابتلى به أصفياءه الا اختاره لذاته ولعبوديته فافهم والله الهادي الى الحقائق وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً ظرف اى فى آخر النهار فان العشاء آخر النهار الى نصف الليل وفى تفسير ابى الليث بعد العصر قال فى الكواشي وانما جاؤا عشاء ليقدموا على المبالغة فى الاعتذار يَبْكُونَ حال اى متباكين. والتباكي بالفارسية [كريستن پيدا كردن]- روى- ان امرأة خاصمت زوجها الى شريح فبكت فقال له الشعبي يا أبا امية أظنها مظلومة اما تراها تبكى فقال شريح قد جاء اخوة يوسف يبكون وهم ظلمة ولا ينبغى ان يقضى الا بما امر ان يقضى به من السنة المرضية: وفى المثنوى
زارئ مضطر نشسته معنويست | زارئ نزد دروغ آن غويست |
كريه اخوان يوسف حيلتست | كه درونشان پر ز رشك وعلتست |

تقدير شىء فى الأنفس مع الطمع فى إتمامه قال الأزهري كان التسويل تفعيل من سؤال الأشياء وهى الامنية التي يطلبها فيزين لطالبها الباطل وغيره أَمْراً من الأمور منكرا لا يوصف ولا يعرف فصنعتموه بيوسف استدل يعقوب على انهم فعلوا بيوسف ما أرادوا وانهم كاذبون بشيئين بما عرف من حسدهم الشديد وبسلامة القميص حيث لم يكن فيه خرق ولا اثر ناب فقوله بل سولت رد لقولهم أكله الذئب وبل للاعراض عما قبله واثبات ما بعده على سبيل التدارك نحو جاء زيد بل عمرو كما فى بحر العلوم فَصَبْرٌ جَمِيلٌ اى فامرى صبر جميل وهو الذي لا شكوى فيه الى الخلق والا فقد قال يعقوب نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
: قال الكمال الخجندي
بوصل صحبت يوسف عزيز من مشتاب... جمال يار نبينى مكر بصبر جميل
قال شيخنا الاجل الأكمل روح الله روحه اعلم ان الصبر إذا لم يكن فيه شكوى الى الخلق يكون جميلا وإذا كان فيه مع ذلك شكوى الى الخالق يكون أجمل لما فيه من رعاية حق العبودية ظاهرا حيث امسك عن الشكوى الى الخلق وباطنا حيث قصر الشكوى على الخالق والتفويض جميل والشكوى اليه أجمل انتهى: قال الشيخ عمر بن الفارض قدس سره فى تائيته
ويحسن اظهار التجلد للقوى... ويقبح غير العجز عند الاحبة
اى لا يحسن اظهار التجلد والصبر على صدمات المحن مطلقا بل يحسن للاعادى كما اظهر رسول الله ﷺ للكفار فى غزواته ومناسكه. واما عند الاحبة فلا يحسن الا العجز لان اظهار التجلد عندهم قبيح جدا كما أظهره سمنون فى بعض مناجاته وقال
وليس لى فى سواك حظ... فكيفما شئت فاختبرنى
فادب بتسليط عسر البول عليه فاعترف بعجزه وطاف فى سكك بغداد يستأجر الصبيان وبأمرهم ان ادعوا عمكم الكذاب فقير وخسته بدرگاهت آمدم رحمى وقال بعضهم الصبر الجميل تلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر وقيل لا أعايشكم على كآبة الوجه بل أكون لكم كما كنت وذلك لان الموحد الحقيقي يطوى بساط الوسائط والأسباب فلا يرى التأثير الا
من الله تعالى فى كل باب مع ان التغافل من اخلاق الكرام والعفو والصفح وقبول العذر من ديدن الأخيار
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا... ان بر عندك فيما قال او فجرا
وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ اى المطلوب منه العون وهو إنشاء الاستعانة المستمرة عَلى ما تَصِفُونَ على اظهار حال ما تصفون من شأن يوسف وبيان كونه كذبا واظهار سلامته كأنه علم منهم الكذب قال تعالى سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ قال البيضاوي هذه الجريمة كانت قبل استنبائهم ان صح انتهى وذلك لانهم قالوا لا دليل على امتناع صدور الكبيرة من الأنبياء قبل الوحى وقوله ان صح يدل على الشك فى صحة استنبائهم وأصاب فى ذلك لان الأنبياء محفوظون قبل نبوتهم كما انهم معصومون بعدها من الأمور الموجبة للنفرة الغير اللائقة بشأنهم وليس همّ يوسف كما سيأتى من قبيل ما صدر من اخوته من الحسد وضربه والقائه فى الجب بالفعل والكذب عمدا من غير تأويل. واما قوله تعالى وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ

فلا يدل على نبوة غيره من الاخوان الموجودين إذ يكفى فى إتمام النعمة على آل يعقوب ان لا تنقطع سلسلة النبوة من أعقابهم كما قال تعالى فى كلمة التوحيد كلمة باقية فى عقبه فانه لا ينافى وجود الشرك من بعض الأحفاد كما لا يخفى. وكذا تمثلهم فى صورة الكواكب لا يدل على نبوتهم لانه إذا كان يعقوب بمنزلة الشمس التي تعينه بالنبوة ودعوة الخلق وهدايتهم الى الله تعالى كان أولاده بمنزلة الكواكب التي تتبع الشمس والقمر ولو كان كلهم أنبياء لا ستدعى ان يكون محبة يعقوب لهم على السوية اى من أول الأمر بناء على وراثة كلهم لنبوته. ولما ظهر ما ظهر من تفضيل يوسف عليهم فيوسف من بينهم كشيث من بين بنى آدم عليه السلام هكذا لاح ببال الفقير أيده الله القدير وفى الآيات إشارات الى تزوير الحواس والقوى وتلبيسها وتمويهاتها وتخيلاتها الفلسفية وكذباتها وحيلها ومكرها وكيدها وتوهماتها وتسويلاتها المجبولة عليها وان كانت للانبياء وان الروح المؤيد بنور الايمان يقف على النفس وصفاتها وما جبلت الحواس والقوى عليه ولا يقبل منها تمويهاتها وتسويلاتها ويرى الأمور كلها من عند الله وأحكامه الازلية فيصبر عليها صبرا جميلا وهو الصبر على ظهور ما أراد الله فيها بالارادة القديمة والتسليم لها والرضى بها وبقوله وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ يشير الى الاستعانة بالله على الصبر الجميل فيما يجرى من قضائه وقدره كذا فى التأويلات النجمية نفعنا الله تعالى بها وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ جماعة يسيرون من جهة مدين الى مصر فنزلوا قريبا من جب يوسف وكان ذلك بعد ثلاثة ايام من القائه فيه قال الكاشفى [روز چهارم مژده نجات بوى رسيد] قال السمرقندي فى بحر العلوم كان الجب فى قفرة بعيدة من العمران لم يكن الا للرعاة فاخطأوا الطريق فنزلوا قريبا منه انتهى فهذا يخالف قوله تعالى يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ فانه يقتضى كون الجب فى الامن والجادة والسير هو السير المعتاد فَأَرْسَلُوا اى الى الجب وارِدَهُمْ اى الذي يرد الماء اى يحضره ليستقى لهم وكان ذلك مالك بن دعر الخزاعي قال فى القاموس مالك بن دعر بالدال المهملة فَأَدْلى دَلْوَهُ الأدلاء بالفارسية [فروهشتن دلو] اى أرسلها الى الجب ليملأها فاوحى الى يوسف بالتعلق بالحبل اى يوسف آخر بهر تست اين دلو در چاه آمده [در معالم آورده كه ديوارهاى چاه بر فراق يوسف بگريستند] وذلك لان للجمادات حياة حقانية لا يعرفها الا العلماء بالله فلها انس الذكر والتوحيد والتسبيح ومجاورة اهل الحق وقد صح ان الجزع الذي كان يعتمد عليه رسول الله ﷺ حين الموعظة للناس انّ انين بنى آدم لما فارقه رسول الله وذلك بعد ان عمل له المنبر: قال فى المثنوى
استن حنانه از هجر رسول | ناله مى زد همچوارباب عقول |
كفت پيغمبر چهـ خواهى اى ستون | كفت جانم از فراقت كشت خون |