يوسف فعرفهم وهم له منكرون، قال: جيء بالصُّوَاع، فوضعه على يده، ثم نقره فطنَّ، فقال: إنه ليخبرني هذا الجامُ أنه كان لكم أخٌ من أبيكم يقال له يوسف، يدنيه دونكم، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب! قال: ثم نقره فطنَّ= فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدَمٍ كذب! قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم! قال ابن عباس: فلا نرى هذه الآية نزلت إلا فيهم: (لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون). (١)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وجاء إخوة يوسف أباهم، بعد ما ألقوا يوسف في غيابة الجبّ عشاء يبكون.
* * *
وقيل: إن معنى قوله: (نستبق) ننتضل من"السباق" (٢) كما:-
١٨٨٤١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا
(٢) انظر تفسير" الاستباق" فيما سلف ٣: ١٩٦ / ١٠: ٣٩١.
أسباط، عن السدي، قال: أقبلوا على أبيهم عشاء يبكون، فلما سمع أصواتهم فزع وقال: ما لكم يا بنيّ؟ هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا! قال: فما فعل يوسف؟ قالوا: (يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب) ! فبكى الشيخ وصاح بأعلى صوته، وقال: أين القميص؟ فجاءوه بالقميص عليه دمٌ كذب، فأخذ القميص فطرحه على وجهه، ثم بكى حتى تخضَّب وجهه من دم القميص.
* * *
وقوله: (وما أنت بمؤمن لنا)، يقولون: وما أنت بمصدّقنا على قِيلنا: إن يوسف أكله الذئب، ولو كنا صادقين! كما:-
١٨٨٤٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وما أنت بمؤمن لنا) قال: بمصدق لنا!
....................................................................................
...................................................................................
...................................................................................
* * *
[فإن قال قائل: (ولو كنا صادقين) وقوله] :(١) (ولو كنا صادقين)، إما خبرٌ عنهم أنهم غير صادقين، فذلك تكذيب منهم أنفسَهم = أو خبرٌ منهم عن أبيهم أنه لا يصدِّقهم لو صدَقوه، فقد علمت أنهم لو صَدَقوا أباهم الخبرَ صَدَّقهم؟
قيل: ليس معنى ذلك بواحد منهما، وإنما معنى ذلك: وما أنت بمصدِّق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يُتَّهمون، لسوء ظنك بنا، وتُهمَتك لنا.
* * *