آيات من القرآن الكريم

وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

اللغَة: ﴿المبين﴾ الظاهر الجلي ﴿القصص﴾ إتباعُ الخبر بعضُه بعضاً وأصلُه في اللغة المتابعة ﴿وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١] أي اتبعي أثَره والمراد بالقَصَص الأخبار التي قصها علينا الله في كتابه العزيز ﴿الرؤيا﴾ خاصة بالمنام وأما باليقضة فهي بالتاء الرؤية قال الألوسي: مصدر رأى الحلمية الرؤيا ومصر البصرية الرؤية ولهذا خُطّىء المتنبي في قوله «ورؤياكَ أحلى في العيون من الغَمْض» ﴿يَجْتَبِيكَ﴾ الاجتباء: الاصطفاء والاختيار وأصله من جبيتُ الشيء أي حصَّلته ﴿عُصْبَةٌ﴾ جماعة قال الفراء: ما زاد على العشرة، والعصبةُ والعصابة العشرة فصاعداً ﴿اطرحوه﴾ الطرح: رمب الشيء وإلقاؤه ﴿غيابت الجب﴾ قعره وغوره سمي به لغيبته عن عين الناظر ﴿يَرْتَعْ﴾ يتسع في أكل ما لذَّ وطاب قال الراغب: الرع حقيقته في أكل البهائم ويستعار للإِنسان إذا أريد به الأكل الكثير قالت الخنساء:

صفحة رقم 36

﴿السيارة﴾ المسافرين ﴿سَوَّلَتْ﴾ زيَّنت ﴿وَارِدَهُمْ﴾ الوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم.
سَبَبُ النّزول: روي أن اليهود سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن قصة يوسف وما حصل له مع إخوته من أولاد يعقوب فنزلت السورة.
التفسِير: ﴿الر﴾ إشارة إِلى الإِعجاز، فمن هذه الحروف وأمثالها تتألف آيات الكتاب المعجز ﴿تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين﴾ أي تلك الآيات التي أنزلت إليك يا محمد هي آيات الكتاب المعجز في بيانه، الساطع في حججه وبراهينه، الواضح في معانيه، الذي لا تشتبه حقائقه، ولا تلتبس دقائقُه ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي أنزلناه بلغة العرب كتاباً عربياً مؤلفاً من هذه الأحرف العربية ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي لكي تعقلوا وتدركوا أن الذي يصنع من الكلمات العادية هذا الكتاب المعجز ليس بشراً، وإنما هو إله قدير، وهذا الكلام وحيٌ منزل من رب العالمين ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص﴾ أي نحن نحدثك يا محمد ونروي لك أخبار الأمم السابقة، بأصدق كلام، وأحسن بيان ﴿بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن﴾ أي بإِيحاءتنا إليك هذا القرآن المعجز ﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين﴾ أي وإنَّ الحال والشأن أنك كنتَ من قبل أن نوحي إليك هذا القرآن لمن الغافلين عن هذه القصة، لم تخطر ببالك، ولم تقرعْ القصة، لأنك أميٌّ لا تقرأ ولا تكتب ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ ياأبت إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً﴾ من هنا بداية القصة، أي اذكر حين قال يوسفُ لأبيه يعقوب يا أبي إني رأيت في المنام هذه الرؤيا العجيبة، رأيت أحد عشر كوكباً من كواكب السماء خرّت ساجدةً لي ﴿والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ أي ورأيت في المنام الشمس والقمر ساجدةً لي مع الكواكب قال ابن عباس: كانت الرؤيا فيهم وحياً قال المفسرون: الكواكب الأحد عشر كانت إخوته، والشمس والقمر أبواه، وكان سنه إذ ذاك اثنتي عشرة سنة، وبين هذه الرؤيا واجتماعه بأبيه وإخوته في مصر أربعون سنة ﴿قَالَ يابني لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ﴾ أي قال له يعقوب: لا تخبرْ بهذه الرؤيا إخوتك ﴿فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً﴾ أي فيحتالوا لإِهلاكك حيلةً عظيمة لا تقدر على ردّها ﴿إِنَّ الشيطان لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ أي ظاهر العداوة قال أبو حيان: فهم يعقوب من رؤيا يوسف أن الله تعالى يبلّغه مبلغاً من الحكمة، ويصطفيه للنبوة، وينعم عليه بشرف الدارين، فخاف عليه من حسد إخوته فنهاه أن يقصَّ رؤياه عليهم ﴿وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ أي وكما أراك مثل هذه الرؤيا العظيم كذلك يختارك ربك للنبوة ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ أي يعلمك تفسير الرؤيا المناميَّة ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعلى آلِ يَعْقُوبَ﴾ أي يتمم فضله وإنعامه عليك وعلى ذرية أبيك يعقوب ﴿كَمَآ أَتَمَّهَآ على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾ أي كما أكمل النعمة من قبل ذلك على جدك إِبراهيم وجدك إسحاق بالرسالة والاصطفاء ﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عليمٌ بمن هو أهلٌ للفضل، حكيم في تدبيره لخلقه ﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ﴾ أي لقد كان في خبر يوسف وإخوته الأحد عشر عبرٌ وعظاتٌ للسائلين عن أخبارهم ﴿إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا﴾ هذه هي المحنة

صفحة رقم 37

الأولى ليوسف عليه السلام أي حين قالوا: والله ليوسف أخوه «بنيامين» أحبُّ منَّا عند أبينا، أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابتٌ لا شبهة فيه، وإنما قالوا ﴿وَأَخُوهُ﴾ وهم جميعاً إخوة لأن أمهما كانت واحدة ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي والحال نحن جماعة ذوو عدد، نقدر على النفع والضر، بخلاف الصغيرين ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي إنه في خطأٍ وخروجٍ عن الصواب بيّن واضح، لإِيثاره يوسف وأخاه علينا بالمحبة قال القرطبي: لم يريدوا ضلال الدين إذ لو أرادوه لكفروا، وإنما أرادوا أنه في خطأ بيِّن في إيثار اثنين على عشرة ﴿اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً﴾ أي أُقتلوا يوسف أو ألقوه في أرض بعيدة مجهولة ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ أي فعند ذلك يخلصْ ويصفو لكم حبُّ أبيكم، فيُقْبل عليكم قال الرازي: المعنى إن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه، فإذا فقده أقبل علينا بالمحبة والميل ﴿وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ﴾ أي وتتوبوا من بعد هذا الذنب وتصبحوا قوماً صالحين ﴿قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غيابت الجب﴾ أي قال لهم أخوهم «يهوذا» وهو أكبر ولد يعقوب: لا تقتلوا يوسف بل ألقوه في قعر الجب وغوره ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة﴾ أي يأخذه بعض المارَّة من المسافرين ﴿إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ أي إن كان لا بدَّ من الخلاص منه فاكتفوا بذلك، وكان رأيه فيه أهون شراً من رأي غيره ﴿قَالُواْ ياأبانا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ﴾ المعنى أيُّ شيء حدث لك حتى لا تأمنا على أخينا يوسف، ونحن جميعاً أبناؤك؟ ﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ أي ونحن نشفق عليه ونريد له الخير قال المفسرون: لما أحكموا العزمْ ذكروا هذا الكلام وأظهروا عند أبيهم أنهم في غاية المحبة ليوسف، وفي غاية الشفقة عليه، ليستنزلوه عن رأيه في تخوفه منهم وكأنهم قالوا: لِمَ تخافنا عليه ونحن نحبه ونريد الخي به! ﴿ {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ أي أرسله معنا غداً إلى البادية، يتسع في أكل ما لذَّ وطاب ويلهو ويلعب بالاستباق وغيره ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي ونحن نحفظه من كل سوء ومكروه، أكّدوا كلامهم بإنَّ واللام وهم كاذبون ﴿قَالَ إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ﴾ أي قال لهم يعقوب: إنه ليؤلمني فراقُه لقلة صبري عنه ﴿وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ أي وأخاف أن يفترسه الذئب في حال غفلتكم عنه، وكأنه لقنهم الحجة قال الزمخشري: إعتذر إليهم بشيئين: أحدهما: أن ذهابهم به ومفارقته إيّاه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة، والثاني: خوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم ﴿قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ﴾ اللام للقسم أي والله لئن أكله الذئب ونحن جماعة أقوياء أشداء إنا لمستحقون أن يُدعى علينا بالخسارة والدمار ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ في الكلام محذوف أي فأرسله معهم فلما أخذوه وابتعدوا به عن أبيه ﴿وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب﴾ أي عزموا واتفقوا على إِلقائه في غور الجب ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي أوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك بفعلهم هذا الذي فعلوه بك وهم لا يشعرون في ذلك الوقت أنك يوسف، قال الرازي: وفائدة هذا الوحي تأنيسُه، وتكسينُ نفسه، وإزالةُ الغمّ والوحشةِ عن قلبه، بأنه سيحصل له

صفحة رقم 38

الخلاص من هذه المحنة ﴿وجآءوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ﴾ أي رجعوا إلى أبيهم وقت العشاء ليلاً وهم يبكون، روي أنه لما سمع يعقوب بكاءهم فزع، وقال: ما لكم يا بَنيَّ، وأين يوسف؟ ﴿قَالُواْ ياأبانآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ أي نتسابق في العَدْو، أو في الرمي ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذئب﴾ أي تركنا يوسف عند ثيابنا وحوائجنا ليحفظها فجاء الذئب فافترسه ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ أي لست بمصدّق لنا في هذه المقالة ولو كنا في الواقع صادقين، فكيف وأنت تتهمنا وغير واثق بقولنا؟ وهذا القول منهم يدل على الارتياب، وكما قيل: يكاد المريبُ يقول خذوني ﴿وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أي جاءوا على ثوبه بدمٍ كاذب، وُصِفَ بالمصدر مبالغةً كأنه نفسُ الكذب وعينُه قال ابن عباس: ذبحوا شاة ولطخوا بدمها القميص فلما جاءوا يعقوب قال: كذبتم لو أكله الذئب لخرقَ القميص وروي أنه قال: «ما أحلم هذا الذئب أكل ابني ولم يشق قميصه» ؟} ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ أي زيَّنت لكم أنفسكم أمراً في يوسف وليس كما زعم أن الذئب أكله ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي أمري صبرٌ جميل لا شكوى فيه ﴿والله المستعان على مَا تَصِفُونَ﴾ أي وهو سبحانه عوني على تحمل ما تصفون من الكذب ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ أي قوم مسافرون مروا بذلك الطريق قال ابن عباس: جاء قوم يسيرون من مدين إلى مصر فأخطئوا الطريق فانطلقوا يهيمون حتى هبطوا على الأرض التي فيها جب يوسف، وكان الجب في قفرة بعيدة عن العمران ﴿فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ﴾ أي بعثوا من يستقي لهم الماء ﴿فأدلى دَلْوَهُ﴾ أي أرسل دلوه في البئر قال المفسرون: لما أدلى الواردُ دلوه وكان يوسف في ناحيةٍ من قعر البئر تعلَّق بالحبل فخرج فلما رأى حسنه وجماله نادى ﴿قَالَ يابشرى هذا غُلاَمٌ﴾ قاله على سبيل السرور والفرح لتبشير نفسه وجماعته قال أبو السعود: كأنه نادى البشرى وقال تعاليْ فهذا أوانك حيث فاز بنعمة جليلة ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ أي أخفوا أمره عن الناس ليبيعوه في أرض مصر متاعاً كالبضاعة والضمير يعود على الوارد وجماعته ﴿والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي لا يخفى عليه سبحانه أسرارهم، وما عزموا عليه في أمر يوسف ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ هذه هي المحنة الثانية في حياة يوسف الصدّيق وهي محنة الاسترقاق أي باعه أولئك المارة الذين استخرجوه من البئر بثمنٍ قليل منقوص هو عشرون درهماً كما قال ابن عباس ﴿وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين﴾ أي وكانوا في يوسف من الزاهدين الذين لا يرغبون فيه لأنهم التقطوه وخافوا أن يكون عبداً آبقاً فينتزعه سيّده من أيديهم، ولذلك باعوه بأبخس الأثمان ﴿وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ أي وقال الذي اشتراه من مدينة مصر لزوجته أكرمي إقامته عندنا قال ابن عباس: كان اسم الذي اشتراه «قطفير» وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر «عسى أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} أي عسى أن يكفينا بعض المهمات إذا بلغ أو نتبناه حيث لم يكن يولد لهما ولد ﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض﴾ أي وكما نجيناه من الجب جعلناه متمكناً في أرض مصر يعيش فيها بعز وأمان ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ أي نوفقه لتعبير بعض المنامات {والله غَالِبٌ على

صفحة رقم 39

أَمْرِهِ} أي لا يعجزه تعلاى شيء ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون لطائف صنعه وخفايا فضله ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ أي بلغ منتهى شدته وقوته وهو ثلاثون سنة ﴿آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ أي أعطيناه حكمةً وفقهاً في الدين ﴿وكذلك نَجْزِي المحسنين﴾ أي المحسنين في أعمالهم.
البَلاَغَة: ١ - ﴿تِلْكَ آيَاتُ﴾ الاشارة بالبعيد لبعد مرتبته في الكمال وعلو شأنه.
٢ - ﴿كَمَآ أَتَمَّهَآ على أَبَوَيْكَ﴾ تشبيه مرسل مجمل.
٣ - ﴿رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر﴾ قال الشريف الرضي: هذه استعارة لأن الكواكب والشمس والقمر مما لا يعقل فكان الوجه أن يقال: ساجدة، ولكنها لما أطلق عليها فعل من يعقل جاز أن توصف بصفة من يعقل لأن السجود من فعل العقلاء.
٤ - ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ الدم لا يوصف بالكذب والمراد بدم مكذوبٍ فيه أو دمٍ ذي كذب وجيء بالمصدر على طريق المبالغة.
لطيفَة: روي أن امرأةً تحاكمت إلى شريحٍ فبكت فقال الشعبي: يا أبا أمية أما تراها تبكي؟ فقال الشعبي: لقد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمةٌ كذبة، لا ينبغي للإنسان أن يقضي إلا بالحق.
تنبيه: ذهب بعض المفسرين إلى أن إخوة يوسف أنبياء واستدلوا على ذلك بأنهم الأسباط المذكورون في قوله تعالى ﴿قُلْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ على إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط﴾ [آل عمران: ٨٤] والصحيح أن الأسباط ليسوا أولاد يعقوب وإنما هم القبائل من ذرية يعقوب كما نبّه عليه المحققون، ولو كان إخوة يوسف أنبياء لما أقدموا على مثل هذه الأفعال الشنيعة، فالحسد، والسعي بالفساد، والإقدام على القتل، والكذبُ، وإلقاء يوسف في الجب، كل ذلك من الكبائر التي تنافي عصمة الأنبياء، فالقول بأنهم أنبياء - مع هذه الجرائم - لا يقبله عقل حصيف، وانظر ما قاله العلامة ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ في هذا الشأن، فإِنه لطيف ودقيق.

صفحة رقم 40
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
ترتَعُ ما رتَعَتْ حتَّى إذا ادكرتْ فإِنَّما هيَ إقبالٌ وإدبار