آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ

وقوله الحق:
﴿وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب... ﴾ [يوسف: ١٥] يدلنا على أن تلك المسألة أخذتْ منهم مناقشة، فيها أَخْذٌ ورَدٌّ، إلى أن استقروا عليها.
وألهم الحق سبحانه يوسف عليه السلام بما سوف يفعلونه، والوحي كما نعلم هو إعلام بخفاء.
وسوف يأتي في القصة أن يوسف عليه السلام بعد أن تولى الوزارة في مصر ودخلوا عليه أمسك بقدح ونقر عليه بأصابعه، وقال لهم: اسمعوا ما يقوله القدح؛ إنه يقول: إن لكم أخاً وقد فعلتم به كذا وكذا.

صفحة رقم 6879

وبعض المفسرين قال: إن الحق سبحانه أوحى له، ولم يَلْحَظ إخوته هذا الوحي.
ونقول: إن الوَحْي إعلام بخفاء، ولا يمكن أن يشعر به غير المُوحَى إليه، وعلى ذلك نرى أنهم لم يعلموا هذا الأمر إلا بعد أن تولى يوسف مقاليد الوزارة في مصر؛ بل إنهم لم يعرفوا أن يوسف أخوهم؛ لأنهم قالوا له لحظتها: ﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [يوسف: ٧٧].
والمقصود بالوحي في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها هو إيناس الوَحْشة؛ وهو وارد إلهي لا يرده وارد الشيطان؛ والإلهام وارد بالنسبة لمَنْ هم غير أنبياء؛ مثلما أوضحنا الأمر الذي حدث مع أم موسى حين أوحى لها الله أن تلقيه في اليم.

صفحة رقم 6880

والوارد الإلهي لا يجد له معارضة في النفس البشرية، وقد أوحى الله ليوسف ما يُؤنِسُ وحشته حين ألقاه إخوته في الجُبِّ الذي ابتعد فيه عن حنان أبيه وأنسه بأخيه، ومفارقته لبلده التي درج فيها وأُنْسه بالبيئة التي اعتاد عليها.
فكان لا بُدَّ أن تعطيه السماء دليلاً على أن ما حدث له ليس جَفْوة لك يا يوسف؛ ولكنه إعداد لك لتقابل أمراً أهمَّ من الذي كنت فيه؛ وأن غُرمَاءك وهم إخوتك سوف يُضطَّرون لدقِّ بابك ذات يوم يطلبون عَوْنك، ويطلبون منك أقواتهم، وستعرفهم أنت دون أن يعرفوك.
هذا من جهة يوسف؛ وجهة الجُبِّ الذي ألقوْه فيه، وبقي أن تعالج القصة أمر الإخوة مع الأب، فيقول الحق سبحانه بعد ذلك: ﴿وجآءوا أَبَاهُمْ... ﴾.

صفحة رقم 6881
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية