آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ

قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابة الْجب﴾ الْإِجْمَاع: هُوَ الْعَزْم على الشَّيْء، وَالْوَاو هَاهُنَا مقحمة، وَالْمعْنَى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ أَجمعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابة الْجب. قَالَ الشَّاعِر:

(أَجمعُوا أَمرهم بلَيْل فَلَمَّا أَصْبحُوا أَصْبحُوا عَليّ لصوصا)
وَقَوله ﴿ [وَأَجْمعُوا] أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابة الْجب﴾ مَعْنَاهُ: بِأَن يلقوه فِي غيابة الْجب. وَذكر وهب بن مُنَبّه، وَغَيره أَنهم لما أخذُوا يُوسُف أَخَذُوهُ بغاية الْإِكْرَام وَجعلُوا يحملونه إِلَى أَن أصحروا بِهِ، فَلَمَّا أصحروا بِهِ ألقوه وَجعلُوا يضربونه وَهُوَ يستغيث حَتَّى كَادُوا يقتلونه، ثمَّ إِن يهوذا مَنعهم مِنْهُ. وَذكروا أَنه كَانَ من أَبنَاء [اثنتى عشرَة] سنة. هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف.
وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَنه كَانَ ابْن سِتّ سِنِين. وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَنه كَانَ ابْن سبع عشرَة سنة. وَهَذَا مَعْرُوف أَيْضا.
ثمَّ أَنهم أَجمعُوا (على أَن) يطرحوه فِي الْبِئْر، فَجَاءُوا إِلَى بِئْر على غير الطَّرِيق وَاسع الْأَسْفَل، ضيق الرَّأْس، فطرحوه فِيهَا، فَروِيَ أَنه كَانَ يتَعَلَّق بجوانب الْبِئْر، فشدوا

صفحة رقم 13

﴿لتنبئهم بأمرهم هَذَا وهم لَا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق وَتَركنَا يُوسُف عِنْد متاعنا فَأَكله الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا﴾ يَدَيْهِ ثمَّ ألقوه. وَفِي بعض الرِّوَايَات: (أَنهم) جَعَلُوهُ فِي دلو وأرسلوه فِي الْبِئْر، فَلَمَّا بلغ المَاء فَإِذا صَخْرَة فَقَامَ عَلَيْهَا. وَرُوِيَ أَنهم قَالُوا لَهُ: اقعد فِي ذَلِك الطاق من الْبِئْر، فَإِذا جَاءَ من يَسْتَقِي فَتعلق بالدلو حَتَّى تخرج.
قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي: لما صَار يُوسُف فِي الْبِئْر دَعَا الله تَعَالَى فَقَالَ: يَا شَاهدا غير غَائِب، وَيَا غَالِبا غير مغلوب، وَيَا قَرِيبا غير بعيد، اجْعَل لي مِمَّا أَنا فِيهِ فرجا ومخرجا.
ثمَّ اخْتلفت الرِّوَايَة أَنه كم بَات فِي الْبِئْر؟ فالأكثرون: أَنه بَات فِيهَا ثَلَاث ليَالِي وَالْقَوْل الآخر: أَنه بَات فِيهَا لَيْلَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وأوحينا إِلَيْهِ لتنبئنهم بأمرهم هَذَا﴾ [قَول] أَكثر أهل التَّفْسِير على أَن هَذَا الْوَحْي إِلَى يُوسُف، وَبعث الله جِبْرِيل يؤنسه ويبشره بِالْخرُوجِ ويخبره: أَنه ينبئهم بِمَا فعلوا ويجازيهم عَلَيْهِ وهم لَا يعْرفُونَ أَنه يُوسُف، وَسَيَأْتِي بعد هَذِه الْقِصَّة. وَقيل: ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَنه أوحى إِلَيْهِ.
وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن الْوَحْي هَاهُنَا هُوَ الإلهام؛ وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وأوحينا إِلَى أم مُوسَى أَن أرضعيه﴾ وَأما إتْيَان جِبْرِيل كَانَ بعد هَذَا.

صفحة رقم 14
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية