آيات من القرآن الكريم

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

يتقن الأمن، فتقدم الاستثناء وهو منوي به التأخير (١)، ذكره أبو بكر (٢) وغيره، قال ابن عباس (٣): وإنما قال آمنين؛ لأنهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر، ولا يدخلونها إلا بجوارهم، ويجوز أن يعود الاستثناء إلى الدخول على القول الذي يقول إنه قال لهم: ﴿ادْخُلُوا مِصْر﴾، قيل: أن ادخلوها، وقال ابن جريج (٤): ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ مقدم إلى قوله: سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله، قال: وهذا من التقديم والتأخير في القرآن وهو كثير.
١٠٠ - قوله تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾ قال ابن عباس (٥) والمفسرون (٦): على السرير، قال أهل اللغة (٧): العرش السرير الرفيع: وهو سرير الملك، قال الله تعالى: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣]. قال أهل التفسير (٨): أجلسهما عليه.
وقوله تعالى: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ وقال ابن عباس (٩) في رواية عطاء: يريد خروا لله عند ذلك سجودًا، ونحو هذا روى الضحاك عنه.

(١) في (ب): (التأخر).
(٢) "زاد المسير" ٤/ ٢٨٩.
(٣) الثعلبي ٧/ ١١٢ أ، والبغوي بدون نسبة ٤/ ٤٧٩.
(٤) الطبري ١٣/ ٦٦، والثعلبي ٧/ ١١٢ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٢٨٩.
(٥) الطبري ١٣/ ٦٧.
(٦) أخرجه الطبري ١٣/ ٦٦ عن أسباط والضحاك ومجاهد وقتادة وسفيان، والثعلبي ٧/ ١١٢ ب، والبغوي ٤/ ٤٧٩، والقرطبي ٩/ ٢٦٤.
(٧) "تهذيب اللغة" (عرش) ٣/ ٢٣٩١، و"اللسان" (عرش) ٥/ ٢٨٨٠.
(٨) الثعلبي ٧/ ١١٢ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٢٩٠، والبغوي ٤/ ٢٧٩.
(٩) الثعلبي ٧/ ١١٢ ب، و"زاد المسير" ٤/ ٢٩٠.

صفحة رقم 249

وقال عامة المفسرين (١): وخروا ليوسف سجدًا على جهة التحية، لا على معنى العبادة، وكان أهل ذلك الدهر يحييَّ بعضهم بعضًا بالسجود والانحناء، فحظر رسول الله - ﷺ - هذا ونهى عنه (٢)، والسجود معناه في اللغة (٣): الانحناء مع الخضوع والتذلل، ذكرنا ذلك فيما تقدم، وعلى هذا كان ذلك سجودًا من غير سقوط على الأرض كما يقال: قد سجد القف (٤) من الأرض للحوافر، إذا خضع لها فذل ومنه (٥):
تَرَى الأُكْمَ منه سُجَّدًا للحَوَافِرِ
قال ابن الأنباري (٦): والخرور في هذا القول لا يُعْنى به السقوط والوقوع، لكن المراد به: المرور، سمعت أبا العباس يحكي هذا، واحتج

(١) الطبري ١٣/ ٦٨، والثعلبي ٧/ ١١٢ ب، والبغوي ٤/ ٢٨٠، و"زاد المسير" ٤/ ٢٩٠، وابن عطية ٨/ ٨٠، والقرطبي ٩/ ٢٦٥، وابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٠٢.
(٢) أخرجه الترمذي في "جامعه" (٢٧٢٨) كتاب الاستئذان والآداب، باب: ما جاء في المصافحة، وابن ماجه في "سننه" (٣٧٠٢) كتاب الأدب، باب: المصافحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال: "لا" قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا" قال: فيأخذه بيده ويصافحه؟ قال: "نعم". قال الترمذي: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (ح ٢١٩٥).
(٣) "تهذيب اللغة" (سجد) ٢/ ١٦٣٠، و"اللسان" (سجد) ٤/ ١٩٤١.
(٤) قال الليث: القف: ما ارتفع من متون الأرض وصلبت حجارته، وقال شمر: القف ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلاً، انظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٠٢١ - ٣٠٢٢، و"اللسان" (قفف) ٦/ ٣٧٠٥.
(٥) القائل زيد الخيل "ديوانه" / ٦٦، و"الزاهر" ١/ ١٤١، و"اللسان" (سجد) ٤/ ١٩٤١.
(٦) "الزاهر" ١/ ٤٧، ٤٨، والرازي ١٨/ ٢١٢.

صفحة رقم 250

بقوله: ﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان: ٧٣] يعني: لم يمروا، قال ابن عباس (١) في رواية الكلبي: السجود هاهنا مما كانت الأعاجم تستعمله في تعظيمها رؤساءها، ليس سقوط على الأرض، لكنه كالركوع.
قال الأزهري (٢): والأشبه بظاهر الكتاب أنهم سجدوا ليوسف دل عليه رؤياه الأولى حين قال: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤] فظاهر التلاوة أنهم سجدوا ليوسف تعظيمًا له، من غير أن أشركوا بالله، وكأنهم لم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله في شريعتهم، قال (٣): وفيه وجه آخر لأهل العربية وهو: أن يجعل اللام لام أجل، المعنى: وخروا من أجله سجدًا، شكرًا للذي أنعم عليهم فجمع شملهم.
وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي﴾ أي إليَّ، (يقال) (٤): أحسن به وإليه، قال كثير (٥):

أسِيئي بِنَا أو أحْسِنِي لا مَلُومةً لدَيْنَا ولا مَقْلِيَّةً إنْ تَقَلَّتِ
﴿إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ قال أهل المعاني (٦): ذكر إخراجه من السجن ولم يذكر إخراجه من البئر كرمًا، لئلا يذكر إخوته صنيعهم به، ولأن
(١) "زاد المسير" ٤/ ٢٩٠، و"تنوير المقباس" ص ١٥٤.
(٢) و (٣) "تهذيب اللغة" (سجد) ٢/ ١٦٣١ بتصرف.
(٤) ما بين القوسين من (ب)، وانظر: "الدر المصون" ٦/ ٥٥٨.
(٥) البيت في: "ديوانه" ص ٥٣، و"الشعر والشعراء" ص ٣٤٣، و"أمالي الشجري" ١/ ٤٨، و"الدر المصون" / ٥٥٨، و"الكشاف" ٢/ ١٩٥، و"الخزانة" ٢/ ٣٨١، وقوله (مقلية) من القلي بكسر القاف وهو البغض، تقلت: تبغضت: "اللسان" (سوأ) ٤/ ٢١٣٨، و"التنبيه والإيضاح" ١/ ٢١، و"تهذيب اللغة" ١/ ٨٢٣ (حسن)، و"الأغاني" ٩/ ٣٨، و"أمالي القالي" ٢/ ١٠٩، و"تاج العروس" (سوأ) ١/ ١٧٦.
(٦) "زاد المسير" ٤/ ٢٩١، والبغوي ٤/ ٢٨٠، والثعلبي ٧/ ١١٣ أ.

صفحة رقم 251

النعمة في إخراجه من السجن كانت أعظم، إذ كان دخوله السجن سبب ذنب هم به.
وقوله تعالى: ﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ والبدو (١): بسيط الأرض يظهر فيه الشخص من بعيد، وأصله من بدا يبدو بدوًا، إذا خرج إلى المراعي في الصحاري، ثم سمي المكان باسم المصدر فيقال: بدو وحضر، قال قتادة (٢): كان يعقوب وولده بأرض كنعان أهل مَوَاشٍ وبريَّة.
وقال ابن عباس (٣) في رواية عطاء والضحاك: كان يعقوب قد تحول إلى بدا وسكنها، ومنها قدم على يوسف، وله بها مسجد تحت جبلها.
قال ابن الأنباري (٤): بدا اسم موضع معروف يقال: هو بين شعب وبدا، وهما موضعان ذكرهما جميل أوكثير فقال (٥):

وأنتِ التي حَبّبْتِ شَغْبًا إلى بدا إليَّ وأوْطَانِي بلادٌ سِواهُمَا
والبدو على هذا القول معناه قصد هذا الموضع الذي يقال له بدا،
(١) "تهذيب اللغة" (بدا) ١/ ٢٨٧، و"اللسان" (بدا) ١/ ٢٣٥.
(٢) الطبري ١٣/ ٧١، وأخرجه ابن أبي حاتم ٧/ ٢٢٠٣ عن قتادة وأبو الشيخ عن علي ابن أبي طلحة كما في "الدر" ٤/ ٧٢.
(٣) الرازي ١٨/ ٢١٥، والقرطبي ٩/ ٢٦٧.
(٤) الرازي ١٨/ ٢١٥.
(٥) البيت لكثير وهو في "ديوانه" ص ٣٦٣، و"خزانة الأدب" ٩/ ٤٦٢، و"الدر" ٦/ ٨٣، و"شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي ص ١٢٨٨، و"اللسان" (بدا) ١/ ٢٣٦، و"معجم ما استعجم" ص٢٣٠، ونسب لجميل بثينه في "ملحق ديوانه" ص ٢٤٥، و"ديوان المعاني" ١/ ٢٦٠، ولكثير ولجميل في "شرح شو اهد المغني" ١/ ٤٦٤، و"معجم البلدان" ٣/ ٣٥١، وفيه (التي) بدل الذي، وشغبي: يوضع في بلاد بني عُذرة به منبر وسوق، وبدا: واد قرب إيلة من ساحل البحر، وقيل بواد القرى وقيل بوادي عُذرة قرب الشام. انظر: "معجم البلدان" ١/ ٣٥٦ - ٣٥٧.

صفحة رقم 252

يقال بدا القوم يبدون بدوًا، إذا أتوا بدًا، كما يقال: غار القوم غورًا، إذا أتوا الغور، فكان تلخيص الحرف: ﴿وَجَاءَ بِكُمْ﴾ من قصد بدا، وعلى هذا القول كان يعقوب وولده (١) حضريين؛ لأن البدو لم يرد به البادية، لكنه عني به قَصْدُ بدا.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ قال أبو عبيدة (٢) معناه: أفسد وحمل بعضنا على بعض، قال ابن عباس (٣): دخل بيننا بالحسد، ومضى الكلام في نزغ الشيطان في آخر سورة الأعراف (٤).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ﴾ قال الأزهري (٥): اللطيف من أسماء الله عز وجل معناه: الرفيق بعباده، عمرو بن أبي عمرو: اللطيف الذي يوصَّلُ إليك أربك في رفق.
ثعلب عن ابن الأعرابي (٦): يقال: لطف فلان لفلان يلطف، إذا رفق لطفًا.
قال أهل التفسير (٧): إن ربي عالم بدقائق الأمور وحقائقها، إنه هو العليم بخلقه الحكيم فيهم بما يشاء.

(١) في (أ)، (ج): (وولد)، من غير هاء.
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٣١٩.
(٣) القرطبي ٩/ ٢٦٧.
(٤) عند قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [آية: ٢٠٠]، وقال هنالك ما ملخصه: نزغ الشيطان وساوسه وتحسه في القلب بما يسول للإنسان من المعاصي، وروى أبو عبيد عن أبي زيد: نزعت بين القوم إذا أفسدت.
(٥) "تهذيب اللغة" (لطف) ٤/ ٣٢٦٧ وفيه عمرو عن أبيه أن قال.. ، وانظر: "اللسان" (لطف) ٧/ ٤٥٣٦.
(٦) "اللسان" (لطف) ٧/ ٤٠٣٦، و"تهذيب اللغة" (لطف) ٤/ ٣٢٦٧.
(٧) الثعلبي ٧/ ١١٣ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٢٩١.

صفحة رقم 253
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية