
وقوله: (وما أنت علينا بعزيز)، يعنون: ما أنت ممن يكرَّم علينا، فيعظمُ علينا إذلاله وهوانه، بل ذلك علينا هيّن. (١)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم، أعزّزتم قومكم، فكانوا أعزّ عليكم من الله، واستخففتم بربكم، فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه، ولا تعظِّمونه حق عظَمته؟
* * *
يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل: "نَبَذ حاجته وراء ظهره"، (٢) أي: تركها لا يلتفت إليها. وإذا قضاها قيل: "جعلها أمامه، ونُصْب عينيه "، ويقال: "ظَهَرتَ بحاجتي " و"جعلتها ظِهْرِيَّة"، أي: خلف ظهرك، كما قال الشاعر: (٣)
*وَجَدْنَا بَنِي البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ* (٤)
بمعنى: أنهم يَظْهَرون بحوائجِ النّاس فلا يلتفتون إليها.
* * *
(٢) انظر تفسير " نبذه وراء ظهره " فيما سلف ١: ٤٠٣، ٤٠٤ / ٧: ٤٥٨، ٤٥٩، ٤٦٣.
(٣) هو أرطاة بن سهية المري.
(٤) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٩٨، واللسان (ظهر)، وكان أرطاة يهاجي شبيب بن البرصاء، وهما جميعًا من بني مرة بن سعد بن ذبيان، والهجاء بينهما كثير، وهذا منه. انظر الأغاني ١٣: ٢٩ - ٤٤ (دار الكتب) ترجمة أرطاة بن سهية = والأغاني ١٢: ٢٧١ - ٢٨١ (ساسي) ترجمة شبيب بن البرصاء. وصدر البيت: * فَمَنْ مُبْلِغٌ أبْنَاءَ مُرَّة أنَّنَا *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٥١٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله، وصَغُر شأن الله عندهم، عزَّ ربُّنا وجلَّ.
١٨٥١٦- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، قال: قَفًا. (١)
١٨٥١٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، يقول: عززتم قومكم، وأظهرْتم بربكم.
١٨٥١٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (واتخذتموه وراءكم ظهريا)، قال: لم تراقبوه في شيء إنما تراقبون قومي (واتخذتموه وراءكم ظهريا)، يقول: عززتم قومكم وأظهرتم بربكم.
١٨٥١٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، قال: لم تراقبوه في شيء، إنما تراقبون قومي = (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، لا تخافونه
١٨٥٢٠- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (أرهطي أعز عليكم من الله)، قال: أعززتم قومكم، واغتررتم بربكم، سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال: قال سفيان:

(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، كما يقول الرجل للرجل: "خلَّفتَ حاجتي خلفَ ظهرك"، (فاتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، استخففتم بأمره. فإذا أراد الرجل قضاء حاجةِ صاحبه جعلها أمامه بين يديه، ولم يستخفَّ بها.
١٨٥٢١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، قال: "الظهْريّ"، الفَضْل، مثل الجمّال يخرج معه بإبل ظَهَارَّية، (١) فضل، لا يحمل عليها شيئًا، إلا أن يحتاج إليها. قال: فيقول: إنما ربكم عندكم مثل هذا، إن احتجتم إليه. وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيء.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: واتخذتم ما جاء به شعيبٌ وراءكم ظهريًّا = فالهاء في قوله: (واتخذتموه)، على هذا من ذكر ما جاء به شعيب.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٥٢٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، قال: تركتم ما جاء به شعيب
١٨٥٢٣-.... قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد قال: نبذوا أمره.
١٨٥٢٤- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: (واتخذتموه وراءكم ظهريا)، قال: نبذتم أمره.
١٨٥٢٥- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)،