آيات من القرآن الكريم

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ

وظاهر فعلهم هذا الذي أشاروا إليه هو بخس الكيل والوزن الذي تقدم ذكره، وروي أن الإشارة هي إلى قرضهم الدينار والدرهم وإجراء ذلك مع الصحيح على جهة التدليس، قاله محمد بن كعب وغيره، وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: قطع الدراهم والدنانير من الفساد في الأرض، فتأول ذلك بهذا المعنى المتقدم، وتؤول أيضا بمعنى أنه تبديل السكك التي يقصد بها أكل أموال الناس.
واختلف في قولهم: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ فقيل: إنما كانت ألفاظهم: إنك لأنت الجاهل السفيه، فكنى الله عن ذلك وقيل: بل هذا لفظهم بعينه، إلا أنهم قالوه على جهة الاستهزاء- قاله ابن جريج وابن زيد- وقيل المعنى: إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك. وقيل: بل قالوه على جهة الحقيقة وأنه اعتقادهم فيه، فكأنهم فندوه، أي أنه حليم رشيد فلا ينبغي لك أن تأمرنا بهذه الأوامر، ويشبه هذا المعنى قول اليهود من بني قريظة، حين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا إخوة القردة»، يا محمد ما علمناك جهولا.
قال القاضي أبو محمد: والشبه بين الأمرين إنما هو المناسبة بين كلام شعيب وتلطفه، وبين ما بادر به محمد عليه السّلام بني قريظة.
وقوله تعالى: قالَ: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ، الآية، هذه مراجعة لطيفة واستنزال حسن واستدعاء رفيق ونحوها عن محاورة شعيب عليه السّلام، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك خطيب الأنبياء. وجواب الشرط الذي في قوله: إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي محذوف تقديره: أأضل كما ضللتم وأترك تبليغ الرسالة؟ ونحو هذا مما يليق بهذه المحاجة؟ وبَيِّنَةٍ يحتمل أن تكون بمعنى: بيان أو بين، ودخلت الهاء للمبالغة- كعلامة- ويحتمل أن تكون صفة لمحذوف، فتكون الهاء هاء تأنيث.
وقوله: وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً يريد: خالصا من الفساد الذي أدخلتم أنتم أموالكم. ثم قال لهم: ولست أريد أن أفعل الشيء الذي نهيتكم عنه من نقص الكيل والوزن، فأستأثر بالمال لنفسي، وما أريد إلا إصلاح الجميع، وأُنِيبُ معناه: أرجع وأتوب وأستند.
قوله عز وجل:
[سورة هود (١١) : الآيات ٨٩ الى ٩٢]
وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢)
لا يَجْرِمَنَّكُمْ معناه: لا يكسبنكم، يقال: جرمه كذا وكذا وأجرمه إذا أكسبه، كما يقال: كسب وأكسب بمعنى، ومن ذلك قول الشاعر:

صفحة رقم 201

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
وقرأ الجمهور «يجرمنكم» بفتح الياء، وقرأ الأعمش وابن وثاب «يجرمنكم» بضمها، وشِقاقِي معناه: مشاقتي وعداوتي، وأَنْ مفعولة ب يَجْرِمَنَّكُمْ.
وكانت قصة قوم لوط أقرب القصص عهدا بقصة قوم شعيب، وقد يحتمل أن يريد وما منازل قوم لوط منكم ببعيد، فكأنه قال: وما قوم لوط منكم ببعيد بالمسافة، ويتضمن هذا القول ضرب المثل لهم بقوم لوط.
وقرأ الجمهور «مثل» بالرفع على أنه فاعل يُصِبْكُمْ وقرأ مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق «مثل» بالنصب، وذلك على أحد وجهين: إما أن يكون «مثل» فاعلا، وفتحة اللام فتحة بناء لما أضيف لغير متمكن، فإن «مثل» قد يجري مجرى الظروف في هذا الباب وإن لم يكن ظرفا محضا.
وإما أن يقدر الفاعل محذوفا يقتضيه المعنى، ويكون «مثل» منصوبا على النعت لمصدر محذوف تقديره: إصابة مثل.
وقوله وَاسْتَغْفِرُوا الآية، تقدم القول في مثل هذا من ترتيب هذا الاستغفار قبل التوبة. ووَدُودٌ معناه: أن أفعاله ولطفه بعباده لما كانت في غاية الإحسان إليهم كانت كفعل من يتودد ويود المصنوع له.
وقوله تعالى: قالُوا: يا شُعَيْبُ الآية، نَفْقَهُ معناه: نفهم وهذا نحو قول قريش قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ [فصلت: ٥] ومعنى: «ما نفقه ما تقول» أي ما نفقه صحة قولك، وأما فقههم لفظه ومعناه فمتحصل، وروي عن ابن جبير وشريك القاضي في قولهم: ضَعِيفاً أنه كان ضرير البصر أعمى، وحكى الزهراوي: أن حمير تقول للأعمى: ضعيف، كما يقال له: ضرير، وقيل: كان ناحل البدن زمنه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف ولا تقوم عليه حجة بضعف بصره أو بدنه والظاهر من قولهم: ضَعِيفاً أنه ضعيف الانتصار والقدرة، وأن رهطه الكفرة كانوا يراعون فيه.
و «الرهط» جماعة الرجل، ومنه الراهطاء لأن اليربوع يعتصم به كما يفعل الرجل برهطه.
ولَرَجَمْناكَ قيل: معناه بالحجارة- وهو الظاهر وقاله ابن زيد- وقيل معناه: لَرَجَمْناكَ بالسب- وبه فسر الطبري. وهذا أيضا تستعمله العرب. ومنه قوله تعالى: لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم: ٤٦]، وقولهم بِعَزِيزٍ أي بذي منعة وعزة ومنزلة في نفوسنا.
وقوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي الآية، «الظهري» الشيء الذي يكون وراء الظهرك، وقد يكون الشيء وراء الظهر بوجهين: في الكلام، إما بأن يطرح، كما تقول: جعلت كلامي وراء ظهرك ودبر أذنك ومنه قول الفرزدق:
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيى عليّ جوابها
وإما بأن يسند إليه ويلجأ. ومن هذا قول النبي ﷺ في دعائه: «وألجأت ظهري

صفحة رقم 202
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية