آيات من القرآن الكريم

يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

ابنه ولكنه كان مخالفا في النية والعمل والدين، فمن ثم قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، وهذا القول أولى بالصواب وأليق بظاهر الكتاب.
فقال نوح (عليه السلام) عند ذلك رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ انزل من السفينة إلى الأرض بِسَلامٍ بأمن وسلامة مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وهم الذين كانوا معه في السفينة.
وقال أكثر المفسّرين: معناه وعلى قرون تجيء من ذريّة من معك من الذين آمنوا معك من ولدك، وهم المؤمنون وأهل السعادة من ذريته وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ في الدنيا ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا في الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ وهم الكافرون وأهل الشقاوة. وقال محمد بن كعب القرضي: داخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، وكذلك داخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة.
قال الضحاك: زعم أناس إن من غرق من الولدان مع آبائهن وإنّما ليس كذلك وإنّما الولدان بمنزلة الطير، وسائر من أغرق الله يعود لابنه ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم والمذكورين من الرجال والنساء ممّن كان الغرق عقوبة من الله لهم في الدنيا ثم مصيرهم إلى النار.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤٩ الى ٦٠]
تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣)
إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨)
وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠)
تِلْكَ الذي ذكرت مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ يا محمد وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا من قبل إخباري إياك فَاصْبِرْ على القيام بأمر الله وتبليغ رسالته وما تلقى من أذى الكفار كما صبر نوح إِنَّ الْعاقِبَةَ آخر الأمر بالسعادة والظفر والمغفرة لِلْمُتَّقِينَ كما كان لمؤمني قوم نوح وسائر الأمم.

صفحة رقم 173

وَإِلى عادٍ أي فأرسلنا إلى عاد أَخاهُمْ هُوداً في النسب لا في الدين قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحّدوا الله وأكثروا العبادة في القرآن بمعنى التوحيد ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ما أنتم في إشراككم معه الأوثان إلّا كاذبون.
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على تبليغ الرسالة ولا أبتغي جعلا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي والفطرة ابتداء الخلقة أَفَلا تَعْقِلُونَ وذلك أن الأمم قالت للرسل: ما تريدون إلّا أن تأخذوا أموالنا فقالت الرسل لهم هذا.
وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ أي آمنوا به يغفر لكم، والاستغفار هنا بمعنى الإيمان ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ من عبادتكم غيره وسالف ذنوبكم، وقال الفرّاء: معناه وتوبوا إليه لأن التوبة استغفار والاستغفار توبة.
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً متتابعا، وقال مقاتل بن حيان وخزيمة بن كيسان: غزيرا كثيرا.
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ شدّة مع شدّتكم، وذلك أن الله حبس عنهم القطر في سنين وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين فقال لهم هود: إن آمنتم أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد.
وَلا تَتَوَلَّوْا ولا تدبروا مشركين قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ بيان وبرهان على ما تقول فنقر ونسلّم لك وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ أي بقولك، والعرب تضع الباء موضع عن، وعن موضع الباء.
وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ بمصدّقين إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ يعني لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسبّ آلهتنا إلّا أن بعض آلهتنا اعتراك وأصابك بسوء، بل جنون، وهذيان، هو الذي يحملك على ما تقول وتفعل، ولا نقول فيك إلّا هذا ولا نحمل أمرك إلّا على هذا، فقال لهم هود: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ على نفسي وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ يعني الأوثان فَكِيدُونِي جَمِيعاً فاحتالوا جميعا في ضرّي ومكري أنتم وأوثانكم ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها.
قال الضحاك: يحييها ويميتها، قال الفرّاء: مالكها والقادر عليها، قال القتيبي: يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، قال ابن جرير: إنما خصّ الناصية لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع فيقولون: ما ناصية فلان إلّا بيد فلان أي إنه مطيع له يصرفه كيف شاء، وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزوا [ناصيته] ليغتروا بذلك فخرا عليه، فخاطبهم بما يعرفون في كلامهم.

صفحة رقم 174

إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: إنّ ربي على طريق الحق يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بمعصيته ولا يظلم أحدا غيّا ولا يقبل إلّا الإسلام، والقول فيه إضمار أنّي: إنّ ربي يدلّ أو يحثّ أو يحملكم على صراط مستقيم.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ أي قل يا محمد: فقد أبلغتكم ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ يوحّدونه ويعبدونه وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً بتولّيكم وإعراضكم وإنما تضرون أنفسكم، وقيل: معناها لا تقدرون له على خير إن أراد أن يضلكم، وقرأ عبد الله: ولا يضره هلاككم إذا أهلككم ولا تنقصونه شيئا، لأنه سواء عنده كنتم أو لم تكونوا.
إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي لكل شيء حافظ، على بمعنى اللام، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء.
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا عذابنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وكانوا أربعة آلاف بِرَحْمَةٍ بنعمة مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ وقيل: الريح، قيل: أراد بالعذاب الغليظ عذاب القيامة أي كما نجّيناهم في الدنيا من العذاب كذلك نجّيناهم في الآخرة من العذاب.
وَتِلْكَ عادٌ رده إلى القبيلة جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ يعني هودا وحده لأنه لم يرسل إليهم من الرسل سوى هود، ونظيره قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم وإنه لم يكن في عصره رسول سواه، وإنما جمع هاهنا لأن من كذّب رسولا واحدا فقد كذّب جميع الرسل.
وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ متكبّر لا يقبل الحق ولا يذعن له، قال أبو عبيد: العنيد والعنود والعاند والمعاند: المعارض لك بالخلاف، ومنه قيل للعرق الذي يفجر دما فلا يرقى:
عاند قال الراجز:
إنّي كبير لا أطيق العندا «١»
وَأُتْبِعُوا ألحقوا وأردفوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً يعني بعدا وعذابا وهلاكا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أي وفي يوم القيامة أيضا كذلك لعنوا في الدنيا والآخرة أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أي بربهم، كما يقال: شكرته وشكرت له، وكفرته وكفرت به ونصحته ونصحت له، قيل بمعنى:
كفروا نعمة ربهم.
أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ البعد بعدان: أحدهما البعد ضد القرب، يقال: بعد يبعد بعدا، والآخر بمعنى الهلاك ويقال منه: بعد يبعد بعدا وبعدا.

(١) لسان العرب: ٣/ ٣٠٧، ومطلعه: إذا رحلت فاجعلوني وسطا.

صفحة رقم 175
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية