آيات من القرآن الكريم

يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

قوله: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) [غافر: ٤٠/ ٥١].
هود عليه السّلام مع قومه
- ١- دعوته إلى عبادة الله
هذه قصة عجيبة أخرى تثير الوجدان والضمير بعد قصة نوح عليه السّلام أبي البشر الثاني وأول رسول إلى الناس، وهي قصة هود عليه السّلام أول من تكلم بالعربية من ذرّية نوح، وفي القصّتين تشابه غريب، ففي كل منهما تبليغ القوم الدعوة إلى عبادة الله وتوحيده، وردّهم على رسولهم أسوأ ردّ، ونهاية متشابهة وهي إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين. قال الله تعالى:
[سورة هود (١١) : الآيات ٥٠ الى ٥٦]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» [هود: ١١/ ٥٠- ٥٦].

(١) خلقني.
(٢) غزيرا متتابعا.
(٣) أصابك.
(٤) احتالوا في كيدي وضرّي.
(٥) لا تمهلوني.
(٦) مالكها وقادر عليها.

صفحة رقم 1048

وكما أرسلنا نوحا إلى قومه، أرسلنا هودا إلى قبيلة عاد العربية التي كانت تسكن الأحقاف (شمالي حضرموت وغربيّ عمان) وكانت ذات قوة وبأس وزراعة وماشية، وزادهم الله بسطة في الجسم والمال، وهم خلفاء قوم نوح.
دعاهم هود عليه السّلام إلى نوعين من التكاليف:
النوع الأول- دعاهم إلى عبادة الله وتوحيده، مبيّنا لهم بالدليل أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا تعبدوا وثنا ولا صنما، ولا تشركوا به شيئا، ما لكم من إله غيره، هو الخالق والرّزاق، وما أنتم إلا مفترون على الله الكذب باتّخاذ الشّركاء لله وأنها شفعاء لكم.
ويا قوم، لا أطلب على دعوتي إياكم لعبادة الله وترك عبادة الأوثان أجرا أو مالا ينفعني، فما أجري أو ثوابي إلا على الله الذي خلقني على الفطرة السليمة- فطرة التوحيد- أفلا تعقلون قول من يدعوكم إلى صلاحكم في الدنيا والآخرة، وتدركون أنه ليس غير الله الفاطر الخالق إلها.
والنوع الثاني من التكاليف التي دعا إليها هود: الاستغفار والتوبة. والاستغفار:
طلب المغفرة بالإيمان، والتّوبة: الاعتراف بالذّنب والنّدم عليه والرجوع عنه. وإيمان الكافر: هو توبته من كفره، لأنه هو نفسه رجوعه عنه.
يا قوم، اطلبوا المغفرة على الشّرك والكفر والمعاصي السابقة، وأخلصوا التوبة له، فإذا استغفرتم وتبتم، يرسل الله عليكم مطرا غزيرا متتابعا- وكانوا بأشد الحاجة إلى المطر بعد منعه عنهم ثلاث سنين، لأنهم أصحاب زروع وبساتين- ويزدكم قوة إلى قوتكم بالأموال والأولاد، وعزّا إلى عزّكم- وقد كانوا أقوياء أشدّاء يهمهم التّفوق على الناس- ولا تعرضوا عن دعوتي، مصرّين على إجرامكم وآثامكم، فلا تتولوا عن الحق ولا تعرضوا عن أمر الله تعالى.

صفحة رقم 1049

فأجابه القوم بمطالب أربعة: وهي تقديم البيّنة على صدق قوله، والإصرار على عبادة الأصنام الآلهة المزعومة بالرغم من قوله ودعوته، وعدم التّصديق برسالته (أي رسالة هود) حفاظا على الموروثات والتقليد، وما نقول إلا أن بعض الآلهة لما سببتها وضلّلت عبدتها، أصابك بجنون، وفسد عقلك.
فأجابهم هود معتصما بالله ربّه: أشهد الله واشهدوا على أني بريء من شرككم ومن عبادة الأصنام. وإذا كنت بريئا من جميع الأصنام التي تشركونها مع الله، فاجمعوا كل ما لديكم من أنواع الكيد لي، ولا تمهلوني طرفة عين، إني فوّضت أمري كله لله ربّي وربّكم، وتوكّلت عليه، مع ضعفي وانفرادي، وقوتكم وكثرتكم، إنه هو الذي يمنعني منكم، ويحجز بيني وبينكم.
ثم وصف قدرة الله تبارك وتعالى بقوله: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، والتعبير بالنّاصية لأنها في العرف حيث يسيطر عليها المالك، أي ما من دابّة تدبّ على الأرض إلا وهي تحت سلطان الله وقهره، فهو مصرف أمرها ومسخّرها، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور، إنّ ربّي على صراط مستقيم، أي على الحق والعدل.
وهذا الجواب من هود عليه السّلام فيه تحد وقلّة مبالاة بالقوم لعدة أمور هي:
البراءة من الشّرك، وإشهاد الله على ذلك، وإشهادهم على براءته من شركهم، وطلبه المكايدة له، وإظهار قلة المبالاة بهم، وعدم خوفه منهم ومن آلهتهم المزعومة.
- ٢- نهاية قبيلة عاد وقوم هود
إن نهاية الطّغاة الذين يعارضون دعوة الرّسل عليهم السّلام نهاية وخيمة، لأنهم هم الذين يحجبون الخير والصلاح عن أمتهم، ويبقونها في حالة من المذلّة والتّخلف

صفحة رقم 1050
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية