آيات من القرآن الكريم

أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

أَيْ نَزَّلَ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُحْكَمَ الْمُفَصِّلَ لِعِبَادَةِ الله وحده لا شريك له كقوله تَعَالَى:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥] وَقَالَ وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النَّحْلِ: ٣٦].
وَقَوْلُهُ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ أَيْ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مِنَ الْعَذَابِ إِنْ خَالَفْتُمُوهُ، وَبَشِيرٌ بِالثَّوَابِ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الصَّفَا فَدَعَا بُطُونَ قُرَيْشٍ الْأَقْرَبَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تُصَبِّحُكُمْ أَلَسْتُمْ مُصَدِّقِيَ؟» فَقَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ «١» [سَبَأٍ: ٤٦].
وَقَوْلُهُ: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أَيْ وَآمُرُكُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنَ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ، وَأَنْ تَسْتَمِرُّوا عَلَى ذَلِكَ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً أَيْ فِي الدُّنْيَا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أَيْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ قَالَهُ قَتَادَةُ كَقَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [النحل: ٩٧] الآية.
وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدٍ «وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» «٢» وَقَالَ ابن جرير: حدثني الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ مسعود رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ قَالَ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ فَإِنْ عُوقِبَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا بَقِيَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَإِنْ لَمْ يُعَاقَبْ بِهَا فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنَ الْحَسَنَاتِ الْعَشْرِ وَاحِدَةٌ وَبَقِيَتْ لَهُ تِسْعُ حَسَنَاتٍ، ثُمَّ يقول هلك من غلب آحاده على أَعْشَارَهُ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ تَوَلَّى عَنْ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَّبَ رُسُلَهُ فإن العذاب يناله يوم القيامة لَا مَحَالَةَ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ
أَيْ مَعَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِ وَانْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَإِعَادَةِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا مَقَامُ التَّرْهِيبِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مقام ترغيب.
[سورة هود (١١) : آية ٥]
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا السَّمَاءَ بِفُرُوجِهِمْ وحال وقاعهم فأنزل الله هذه

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١١، باب ١، وسورة ٢٦، باب ٢، ومسلم في الإيمان حديث ٣٥٥. [.....]
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٤١، ومسلم في الوصية حديث ٥.

صفحة رقم 263
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية