
٥- إن ثمرة الاستغفار والتوبة وهو الفضل الإلهي على الإنسان المؤمن الطائع أمر عظيم واسع شامل الدنيا والآخرة، ففي الدنيا تمتيع إلى نهاية العمر المقدر بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش، وعدم الاستئصال بالعذاب كما فعل بمن أهلك من الأمم السابقة، فالمتاع الحسن: وقاية من كل مكروه وأمر مخوف، واستمتاع بطيبات الحياة. وفي الآخرة إيتاء كل ذي عمل من الأعمال الصالحة جزاء عمله. ودلت الآية على أن لكل إنسان أجلا واحدا فقط.
٦- مرجع أو معاد الخلائق جميعا بعد الموت إلى الله تعالى القادر على كل شيء من ثواب وعقاب. وهذا ترهيب بعد الترغيب السابق.
إعراض الكفار عن الحق
[سورة هود (١١) : آية ٥]
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥)
البلاغة:
ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ بينهما طباق.
المفردات اللغوية:
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يعرضون عن الحق، ويطوون صدورهم على ما فيها من حقد وحسد وعداوة النبي صلى الله عليه وسلّم لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أي يحاولوا الخفاء من الله أو ليتواروا عن محمد يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يتغطون بها يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ في قلوبهم وَما يُعْلِنُونَ في أفواههم، فالله تعالى يستوي في علمه سرهم وعلنهم، فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي بالأسرار ذات الصدور، أو بالقلوب وأحوالها.

سبب النزول:
روى البخاري عن ابن عباس في قوله: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال:
كان أناس يستحيون أن يتخلوا، فيفضوا بفروجهم إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم، فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم. أي كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم وحال وقاعهم، فأنزل الله هذه الآية، أي في المسلمين.
وأخرج ابن جرير وغيره عن عبد الله بن شداد قال: كان أحدهم إذا مرّ بالنبي صلى الله عليه وسلّم ثنى صدره لكيلا يراه، فنزلت.
وقيل: إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا: إذا أرخينا ستورنا، واستغشينا ثيابنا، وطوينا صدورنا على عداوة محمد، كيف يعلم؟
وذكر الواحدي والقرطبي: أنها نزلت في الأخنس بن شريق، وكان رجلا حلو المنطق، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بما يحب، وينطوي له بقلبه على ما يسوء.
والظاهر لي أن الآية في إعراض الكفار عن الحق، بدليل ما قبلها وما بعدها.
المناسبة:
بعد وصف حالة الكفار وبيان أنهم إن أعرضوا عن عبادة الله وطاعته، تعرضوا لعذاب يوم كبير، بيّن الله تعالى أن التولي عن ذلك باطنا أو سرا كالتولي عنه ظاهرا، وأن إعراضهم متصف بالحيرة والجهل.
التفسير والبيان:
ألا إن الكفار أو المشركين حين يسمعون الدعوة إلى الله، يعرضون عن

النبي صلى الله عليه وسلّم بصدورهم، كيلا يراهم النبي صلى الله عليه وسلّم، ولا يراهم أحد، إمعانا في العناد والكفر. وقوله: أَلا للتنبيه.
ألا حين يستغشون ثيابهم ويغطون بها رؤوسهم، ليستخفوا أو يتواروا من محمد أو من الله، يظنون أن الله لا يراهم، مع أن الله يعلم ما يسرون في قلوبهم، وما يعلنون بأفواههم، ويعلم ما يسرون ليلا، وما يظهرون نهارا.
وكرر أَلا للتنبيه على وقت استخفائهم. وعود الضمير إلى الله أولى، لقوله تعالى: يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ.
إن الله عليم بالأسرار ذات الصدور، وبخواطر القلوب، فليحذر من يظن أن أسراره خفية على الله، وليعلم أن الله مطلع على كل شيء في الوجود، وما تنطوي عليه النفوس من شكوك وأوهام، ويجازي كل إنسان بما أسر وأعلن.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية على تصميم الكفار في إعراضهم عن سماع القرآن، ودعوة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الإيمان برسالته، وأنهم بهذا الإعراض أغبياء جاهلون.
ودلت أيضا على أنه لا فائدة في استخفائهم وتواريهم عن الله أو عن محمد صلى الله عليه وسلّم لأن الله مطلع على كل شيء في الوجود من النيات والضمائر والسرائر، ومن الأقوال والأفعال العلنية، يستوي علمه بالسر مع علمه بالجهر، ولا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم.