آيات من القرآن الكريم

أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

وَقِيلَ: أَنِ اسْتَغْفِرُوا [رَبَّكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي ثُمَّ تُوبُوا] (١) إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ (٢).
﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾ يُعَيِّشْكُمْ عَيْشًا [حَسَنًا فِي خَفْضٍ وَدَعَةٍ وَأَمْنٍ وَسَعَةٍ] (٣). قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَيْشُ الْحَسَنُ هُوَ الرِّضَا بِالْمَيْسُورِ وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَقْدُورِ.
﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إِلَى حِينِ الْمَوْتِ، ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ أَيْ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي عَمَلٍ صَالِحٍ فِي الدُّنْيَا أَجْرَهُ وَثَوَابَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَنْ كَثُرَتْ طَاعَتُهُ فِي الدُّنْيَا زَادَتْ دَرَجَاتُهُ فِي الْآخِرَةِ [فِي الْجَنَّةِ] (٤)، لِأَنَّ الدَّرَجَاتِ تَكُونُ بِالْأَعْمَالِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ زَادَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ دَخَلَ النَّارَ، وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ (٥) الْأَعْرَافِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدُ.
وَقِيلَ: يُؤْتِ كُلَّ ذِي فضل فضله ١٧٣/أيَعْنِي: مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفَّقَهُ اللَّهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ عَلَى طَاعَتِهِ.
﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أَعْرَضُوا، ﴿فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥) ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (٦) نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ وَكَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْكَلَامِ حُلْوَ الْمَنْظَرِ، يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُحِبُّ، وَيَنْطَوِي بِقَلْبِهِ عَلَى مَا يَكْرَهُ.
قَوْلُهُ: " يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ " أَيْ: يُخْفُونَ (٧) مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الشَّحْنَاءِ وَالْعَدَاوَةِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: نَزَلَتْ فِي بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ كَانَ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَنَى صَدْرَهُ وَظَهْرَهُ، وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَغَطَّى وَجْهَهُ كَيْ لَا يَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٨).

(١) زيادة من "ب".
(٢) في "ب": (المستقبل).
(٣) في "ب" (في سعة ودعة وأمن).
(٤) ساقط من "ب".
(٥) زيادة من "ب".
(٦) انظر: أسباب النزول للواحدي ص (٣٠٦)، القرطبي: ٩ / ٥.
(٧) في "ب": (يجمعون).
(٨) انظر: تفسير الطبري: ١٥ / ٢٣٣-٢٣٤.

صفحة رقم 160

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يَحْنُونَ صُدُورَهُمْ كَيْ لَا يَسْمَعُوا كِتَابَ (١) اللَّهِ تَعَالَى وَلَا ذِكْرَهُ (٢).
وَقِيلَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْكَفَّارِ يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَيُرْخِي سِتْرَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَتَغَشَّى بِثَوْبِهِ. وَيَقُولُ: هَلْ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قَلْبِي.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَثْنُونَ أَيْ: يُعَرِضُونَ بِقُلُوبِهِمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَنَيْتُ عِنَانِي. وَقِيلَ: يَعْطِفُونَ، وَمِنْهُ: ثَنِيُّ الثَّوْبِ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "يَثْنَوْنِي" (٣) عَلَى وَزْنِ "يَحْلَوْلِي" جَعَلَ الْفِعْلَ لِلْمَصْدَرِ، وَمَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الثَّنْيِ.
﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ أَيْ: مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا، ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ يُغَطُّونَ رُؤُوسَهُمْ بِثِيَابِهِمْ، ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا: إِنَّ الَّذِينَ أَضْمَرُوا عَدَاوَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا حَالُهُمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ (٤) بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقْرَأُ: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ فَقَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْهَا قَالَ: كَانَ أُنَاسٌ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ (٥).

(١) في "ب": (كلام).
(٢) انظر: الطبري: ١٥ / ٢٣٥.
(٣) في الطبري: (تثنوني) بالتاء الفوقية، على مثال: "تحلولي الثمرة"، "تفعوعل".
(٤) في "ب": (الحسين)، وكذلك في الطبري: والمثبت من "أ" وهو كذلك في البخاري.
(٥) أخرجه البخاري في التفسير، باب: "ألا إنهم يثنون صدورهم... " ٨ / ٣٤٩. وانظر الطبري: ١٥ / ٢٣٦-٢٣٧.

صفحة رقم 161
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية