آيات من القرآن الكريم

قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ

(قال سآوي) أي سألتجئ وأصير (إلى جبل يعصمني) أي يمنعني بارتفاعه وعلوه (من) وصول (الماء) إليّ زعماً منه أن ذلك كسائر المياه في أزمنة السيول المعتادة التي ربما يتقي منها بالصعود إلى الربى، وأنى له ذلك وقد بلغ السيل الزبى، وجهلاً بأن ذلك إنما كان لإهلاك الكفرة، وأن لا محيص من ذلك سوى الالتجاء إلى ملجأ المؤمنين، فلذلك أراد عليه السلام أن يبين له حقيقة الحال، وأن يصرفه عن ذلك الفكر المحال.
(قال) أي فأجاب عنه نوح بقوله (لا عاصم) من الجبال أي لا مانع (اليوم من أمر الله) فإنه يوم قد حق فيه العذاب وجف القلم بما هو كائن، فيه نفي جنس العاصم فيندرج تحته العاصم من الغرق في ذلك اليوم اندراجاً أولياً، وعبر عن الماء أو عن الغرق بأمر الله سبحانه تفخيماً لشأنه وتهويلاً لأمره (إلا من رحم) وقرئ على البناء للمفعول والاستثناء منقطع قاله الزجاج أي لكن من رحمه فهو يعصمه واستظهره السفاقسي أو متصل على أن يكون عاصم

صفحة رقم 185

بمعنى معصوم أي لا معصوم اليوم من أمر الله إلا من رحمه الله مثل ماء دافق وعيشة راضية، واختار هذا الوجه ابن جرير والزمخشري وتبعه القاضي.
وقيل العاصم بمعنى ذي العصمة كلابن وتامر، والتقدير لا عاصم قط إلا مكان من رحم الله وهو السفينة وحينئذ فلا يرد ما يقال أن معنى من رحم من رحمه الله ومن رحمه الله فهو معصوم، فكيف يصح استثناؤه عن العاصم لأن في كل وجه من هذه الوجوه دفعاً للإشكال.
وذكر صاحب الانتصاف إن الاحتمالات الممكنة هنا أربعة لا عاصم إلا راحم، لا معصوم إلا مرحوم، لا عاصم إلا مرحوم، لا معصوم إلا راحم، فالأولان استثناء من الجنس، والآخران استثناء من غير الجنس فيكون منقطعاً أي لكن المرحوم يعصم على الأول؛ ولكن الراحم يعصم من أراد على الثاني قال عكرمة: لا ناج إلا أهل السفينة.
(وحال بينهما الموج) أي حال بين نوح وابنه فتعذر خلاصه من الغرق وقيل بين ابن نوح وبين الجبل والأول أولى لأن تفرع (فكان من المغرقين) عليه يدل على الأول لا على الثاني لأن الجبل ليس بعاصم والمعنى فصار أو فكان كنعان من المغرقين في علم الله بالفعل والمهلكين بالماء.
(وقيل) أي بعد ما تناهى الطوفان وأغرق الله قوم نوح والقيل كما قيل في هذين الموضعين عبارة عن تعلق القدرة التنجيزي بزوال الماء وبهلاكهم كما قيل في قوله تعالى (أن يقول له كن فيكون) وعلى هذا فالآية على الاستعارة المكنية والتخييلية وقيل تمثيلية، كما فصل ذلك الخفاجي في العناية تفصيلاً بسيطاً مع ما يصحبه من لطائف البلاغة.
ولكن الحق الذي لا تردد فيه عند أولي البصيرة أن الآية على حقيقتها من النداء والأمر وهو المختار في قوله سبحانه (كن فيكون) وأمثاله أيضاً.

صفحة رقم 186

وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥)

صفحة رقم 187
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية