آيات من القرآن الكريم

۞ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

قد عض أعناقهم جلد الجواميس
وقد مرَّ.
٤١ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا﴾، يعني قال نوخ لقومه الذين أمر بحملهم: "اركبوا"، والركوب العلو على ظهر الشيء، فمنه ركوب الدابة، وركوب السفينة، وركوب البر، وركوب البحر، وكل شيء علا شيئاً فقد ركبه، وركبه الدين، قال الليث: وتسمي العرب من يركب السفينة ركاب السفينة، وأما الرُّكْبَانُ والأرْكوب والرَّكب فراكبو الدّواب والإبل، قال الأزهري (١): وقد جعل ابن أحمر ركاب السفينة ركباناً فقال (٢):

يهل بالفرقد ركبانها كما يُهِلُّ الراكب المعتمر
وقوله تعالى: ﴿فِيهَا﴾ لا يجوز أن تكون (في) من صلة الركوب؛ لأنه يقال: ركبت السفينة، ولا يقال: ركبت في السفينة، والوجه هاهنا أن يقال: مفعول (اركبوا) محذوف على تقدير: اركبوا الماء في السفينة، فيكون
= أنفسهم. "الخزانة" ٣/ ٣٧٢، "الطبري" ١٤/ ١١٧، "اللسان" ٥/ ٢٥٩٠، "المخصص" ١/ ٣١، ٤/ ٤١.
(١) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٥٦ (ركب).
(٢) قائل البيت هو ابن أحمر، عمرو بن أحمر الباهلي، كان من شعراء الجاهلية، وأدرك الإسلام فأسلم ومدح عمر فمن بعده إلى عبد الملك بن مروان. وقيل: توفي في خلافة عثمان. انظر: "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٥٧١، ٥٨٠، "خزانة الأدب" ٦/ ٢٥٦.
والبيت يعني قومًا ركبوا سفينة فغمت السماء ولم يهتدوا، فلما طلع الفرقد كبروا لأنهم اهتدوا للسمت الذي يؤمونه، انظر: "ديوانه" ص ٦٦، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٥٦، مادة (ركب)، اللسان ٣/ ١٧١٤، "جمهرة اللغة" ص ٧٧٢، "ديوان الأدب" ٣/ ١٦٤، "تاج العروس" ٢/ ٣٥ (ركب)، "أساس البلاغة" (هلل)، وبلا نسبة في "اللسان" (هلل) ٨/ ٤٦٨٩، و"تاج العروس" (هلل).

صفحة رقم 420

قوله: ﴿فِيهَا﴾ حالاً من الضمير في (اركبوا)، ويجوز أن يقال المعنى: اركبوها أي الفلك، وزاد (في) للتأكيد كقوله: ﴿لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣]، وفائدة هذه الزيادة أنه أمرهم أن يكونوا [في جوف الفلك لا على ظهرها، فلو قال: (اركبوها) لتوهموا أنه أمرهم أن يكونوا] (١) على ظهر السفينة.
وقوله: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ المُجرى: مصدر كالإجراء، ومثله قوله: ﴿مُنْزَلًا مُبَارَكًا﴾ [المؤمنون: ٢٩]، و ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ (٢)، وقرئ ﴿مَجْراها﴾ (٣) بفتح الميم وهو أيضًا مصدر مثل الجري، واحتج صاحب هذه القراءة بقوله: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ [هود: ٤٢] ولو كان (مُجراها) لكان (وهي تُجرَى بهم)، فكأنه قال: (وهي تجريهم) (٤).
وأما المرْسَى: فهو أيضًا مصدر كالإرساء يقال: وما الشيء يرسو: إذا ثبت، وأرساه غيره، قال الله تعالى: ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ [النازعات: ٣٢]. قال ابن عباس (٥) في رواية عطاء: يريد تجرى باسم الله وقدرته، وقال الضحاك (٦): كان إذا أراد أن تجري قال: باسم الله فجرت، وإذا أراد أن

(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٢) الإسراء: ٨٠. في الأصل (وأدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) وهو خطأ.
(٣) قرأ بها حمزة والكسائي وحفصر عن عاصم وخلف، "السبعة" ٣٣٣، "التبصرة" ٥٣٨، "النشر" ٣/ ١١٤، "إتحاف" ص ٢٥٦.
(٤) "الحجة" لأبي على ٤/ ٣٣١، وأيّد هذا الوجه الطبري ١٢/ ٤٣ - ٤٤.
(٥) روى الطبري ١٢/ ٤٤ نحوه عن مجاهد.
(٦) الطبري ١٢/ ٤٤ - ٤٥، الثعلبي ٧/ ٤٣ ب، وابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٣٣.

صفحة رقم 421

ترسو قال: (باسم الله) فرست (١).
قال أبو إسحاق (٢): أي بالله تجري وبه تستقر، ومعنى قولنا: باسم الله أي بالله، وهذه الأقوال معناها واحد، وأما تقدير الإعراب فقال الفراء (٣): إن شئت جعلت (مجراها) و (مرساها) في موضع رفع بالباء، كما يقال: إجراؤها وإرساؤها باسم الله، وبأمر الله، وإن شئت جعلت (باسم الله) ابتداء مكتفيًا بنفسه، كقول القائل عند المأكل: بسم الله، ويكون (مجراها) و (مرساها) في موضع نصب، يريد: بسم الله في مجراهما ومرساها، وزاد ابن الأنباري لهذا بيانًا فقال: في هذه الآية (٤) قولان:
أحدهما: أن يرتفع المجرى بالباء الزائدة، وتفتقر الباء إلى المجرى؛ لأنها خبره ورافعته، والتقدير: إجراؤها باسم الله، وموضع الباء نصب لخلافها المجرى، إذ المجرى اسم، والباء ليست باسم، إنما هي حرف معنى ملحق بالمَحَالّ، يريد أن التقدير: إجراؤها يقع باسم الله، أو يحصل باسم الله، فالباء في محل النصب بهذا التقدير وهي في الظاهر رفع لخبر المبتدأ، وليس هذا كقولهم: زيد قائم؛ لأن قائمًا هو زيد، وليس بمخالف (٥) له، وهذا كقوله: زيد عندك، هذا معنى قول أبي بكر لخلافها المجرى المفصل.
القول الثاني: أن يكون المجرى في موضع نصب على مذهب الوقت

(١) في (ب): عكس الجملتين.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٥٢.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ١٤.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (المخالف).

صفحة رقم 422

ومنهاج المحل، تلخيصه باسم الله في مجراها ومرساها، فإذا سقط الخافض قضى على ما بعده بالنصب، كما تقول: أتيتك يوم الخميس، هزان القولان هما قولا الفراء (١) وشرحهما.
وقال أحمد بن يحيى: الباء منصوبة بفعل محذوف يدل عليه ويكنى (٢) منه، والمجرى مرفوع بالباء التي خلفت الفعل الذي لو ظهر لكان هو الرافع للمجرى، وتمثيله: يقع باسم الله مجراها ومرساها، فكان افتقار الباء إلى المجرى كافتقار الفعل لو ظهر إلى فاعله.
قال أبو علي الفارسي (٣): قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ يجوز أن يكون حالاً من الضمير في (اركبوا)، على حد قولك: ركب في سلاحه، وخرج بثيابه، والمعنى ركب مستعدًا بسلاحه، وملتبسا بثيابه، وفي التنزيل: ﴿وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ﴾ [المائدة: ٦١]، فكان المعنى: اركبوا متبركين باسم الله ومتمسكين بذكر اسم الله، والمجرى والمرسى على هذا ظرف، بنحو (مَقْدَمَ الحاج)، و (خُفُوقَ النجم)، كأنه: متبركين بهذا الاسم، أو متمسكين في وقت الجري والإجراء على حسب الخلاف بين القراء فيه، ولا يكون الظرف متعلقًا باركبوا؛ لأن المعنى ليس (٤) عليه، ألا ترى أنه لا يراد اركبوا فيها في وقت الجري، والثبات، إنما المعنى اركبوا الآن متبركين باسم الله في الوقتين الذي لا ينفك الراكبون فيها منهما، فموضع مجراها

(١) "معاني القرآن" ٢/ ١٤.
(٢) في (ي): (يكفى).
(٣) "الحجة" ٤/ ٣٣٠ باختصار وتصرف.
(٤) في (ب): (يسمى).

صفحة رقم 423

نصب على هذا الوجه بأنه ظرف عمل فيه المعنى (١)، وهذا الوجه الذي ذكره أبو علي وجه آخر في التفسير سوى ما ذكرنا عن ابن عباس والضحاك.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، قال ابن عباس (٢): يريد غفور لأصحاب السفينة رحيم بهم، قال أهل المعاني: اتصال هذا بما قبله اتصال المعنى بما يشاكله؛ لأنه لما ذكرت النجاة بالركوب في السفينة، ذكرت النعمة بالمغفرة والرحمة لتجتلب بالطاعة (٣) كما اجتلبت النجاة.
٤٢ - قوله تعالى: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ﴾ [هود: ٤٢] أي الفلك ﴿فِي مَوْجٍ﴾ جمع موجة، وهي قطعة عظيمة ترتفع عن جملة الماء الكثير، وأعظم ما يكون ذلك إذا اشتدت (٤) الريح وماج البحر، وتموج: إذا اضطربت أمواجه وتحركت، ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾، قال محمد بن إسحاق (٥): كان كافرًا واسمه يام، وقال الكلبي ومقاتل (٦): اسمه كنعان.
﴿وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾، قال أبو إسحاق (٧) وابن الأنباري: أي من دين نوح؛ لأنه كان كافرًا مخالفاً عن نوح، خارجا عن (٨) جمعه أهل دينه، قالا: ويجوز أن يكون في معزل من السفينة، قال أبو بكر: وهذا أشبه

(١) إلى هنا انتهى النقل من أبي على الفارسي، "الحجة" ٤/ ٣٣١.
(٢) القرطبي ٩/ ٣٧، "البحر المحيط" ٥/ ٢٢٥.
(٣) في (ب): (باتصال).
(٤) ساقط من (ب).
(٥) "زاد المسير" ٤/ ١٠٩، القرطبي ٩/ ٣٨، ابن كثير ٢/ ٤٨٩، الطبري ١٢/ ٤٥.
(٦) "تفسير مقاتل" ١٤٦ أ، البغوي ٤/ ١٧٨، "زاد المسير" ٤/ ١٠٩، القرطبي ٩/ ٣٨، الثعلبي ٧/ ٤٣ ب.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٥٤.
(٨) في (ب): (من).

صفحة رقم 424
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية