الخنازير لم يكن قبل ذلك. وروي أن الفأر آذى الناس في السفينة بقرض حبالها وغير ذلك، فأمر الله نوحا أن يمسح على جبهة الأسد ففعل، فعطس فخرج منه هر وهرة، فكفياهم الفأر، وروي أيضا أن الفأر خرج من أنف الخنزير.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله قصص لا يصح إلا لو استند والله أعلم كيف كان.
وقوله: وَأَهْلَكَ عطف على ما عمل فيه احْمِلْ و «الأهل» هنا القرابة، وبشرط من آمن منهم، خصصوا تشريفا ثم ذكر مَنْ آمَنَ وليس من الأهل واختلف في الذي سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فقيل: هو ابنه يام، وقال النقاش: اسمه كنعان وقيل هي امرأته والعة هكذا اسمها بالعين غير منقوطة وقيل: هو عموم في من لم يؤمن من أهل نوح وعشيرته. والْقَوْلُ هاهنا معناه: القول بأنه يعذب، وقوله: وَمَنْ آمَنَ عطف على قوله: وَأَهْلَكَ ثم قال إخبارا عن حالهم وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ واختلف في ذلك «القليل» فقيل: كانوا ثمانين رجلا وثمانين امرأة وقيل كان جميعهم ثلاثة وثمانين: وقيل كانوا ثمانين في الكل، قاله السدي: وقيل: عشرة وقيل: ثمانية، قاله قتادة وقيل: سبعة والله أعلم. وقيل: كان في السفينة جرهم، وقيل لم ينج من الغرق أحد إلا عوج بن أعنق، وكان في السفينة مع نوح عليه السّلام ثلاثة من بنيه: سام، وحام، ويافث، وغرق يام. وروي عن النبي ﷺ أنه قال: سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش.
قوله عز وجل:
[سورة هود (١١) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢)
المعنى وَقالَ نوح- حين أمر بالحمل في السفينة- لمن آمن معه: ارْكَبُوا فِيها فأنث الضمير، إذ هي سفينة لأن الفلك المذكور مذكر.
وفي مصحف أبيّ «على اسم الله». وقوله: بِسْمِ اللَّهِ يصح أن يكون في موضع الحال من الضمير الذي في قوله: ارْكَبُوا كما تقول: خرج زيد بثيابه وبسلاحه، أي اركبوا متبركين بالله تعالى، ويكون قوله: مَجْراها وَمُرْساها ظرفين، أي وقت إجرائها وإرسائها. كما تقول العرب: الحمد لله سرارك وإهلالك وخفوق النجم ومقدم الحاج، فهذه ظرفية زمان، والعامل في هذا الظرف ما في بِسْمِ اللَّهِ من معنى الفعل، ويصح أن يكون قوله: بِسْمِ اللَّهِ في موضع خبر ومَجْراها وَمُرْساها ابتداء مصدران كأنه قال: اركبوا فيها فإن ببركة الله إجراءها وإرساءها، وتكون هذه الجملة- على هذا- في موضع حال من الضمير في قوله فِيها، ولا يصح أن يكون حالا من الضمير في قوله: ارْكَبُوا لأنه لا عائد في الجملة يعود عليه: وعلى هذا التأويل قال الضحاك: إن نوحا كان إذا أراد جري السفينة قال: بِسْمِ اللَّهِ، فتجري وإذا أراد وقوفها قال: بِسْمِ اللَّهِ فتقف.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- في رواية أبي بكر وابن عامر: «مجراها ومرساها» بضم الميمين على معنى إجرائها وإرسائهما، وهي قراءة مجاهد وأبي رجاء والحسن والأعرج وشيبة وجمهور الناس، ومن ذلك قول لبيد: [الكامل]
| وعمرت حرسا قبل مجرا داحس | لو كان للنفس اللجوج خلود |
| فصبرت نفسا عند ذلك حرة | ترسو إذا نفس الجبان تطلع |
«مجريها ومرسيها» وهما على هذه القراءة صفتان لله تعالى عائدتان على ذكره في قوله بِسْمِ اللَّهِ.
وقوله إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ تنبيه لهم على قدر نعم الله عليهم ورحمته لهم وستره عليهم وغفرانه ذنوبهم بتوبتهم وإنابتهم.
وقوله تعالى: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ الآية، روي أن السماء أمطرت بأجمعها حتى لم يكن في الهواء جانب لا مطرفيه، وتفجّرت الأرض كلها بالنبع، فهكذا كان التقاء الماء، وروي أن الماء علا على الجبال وأعلى الأرض أربعين ذراعا وقيل خمسة عشرة ذراعا وأشار الزجاج وغيره إلى أن الماء انطبق: ماء الأرض وماء السماء فصار الكل كالبحر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وأين كان الموج كالجبال على هذا؟ وكيف استقامت حياة من في السفينة على هذا؟.
وقرأت فرقة: «ابنه» على إضافة الابن إلى نوح، وهذا قول من يقول: هو ابنه لصلبه، وقد قال قوم:
إنه ابن قريب له ودعاه بالنبوة حنانا منه وتلطفا، وقرأ ابن عباس «ابنه» بسكون الهاء، وهذا على لغة لأزد السراة ومنه قول الشاعر: [الطويل] ومطواي مشتاقان له أرقان وقرأ السدي «ابناه» قال أبو الفتح: ذلك على النداء وذهبت فرقة إلى أن ذلك على جهة الندبة محكية، وقرأ عروة بن الزبير أيضا وأبو جعفر وجعفر بن محمد «ابنه» على تقدير ابنها، فحذف الألف تخفيفا وهي لغة ومنها قول الشاعر: [البسيط]
| أما تقود به شاة فتأكلها | أو أن تبيعه في نقض الأزاكيب |