آيات من القرآن الكريم

۞ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

فجعل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وركب هو ومن معه البطن الأعلى، وحمل ما يحتاج إليه من الزاد وغيره. وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ أي طبقة من كبرائهم سَخِرُوا مِنْهُ أي كانوا يتضاحكون لعمله السفينة ويقولون: يا نوح كنت تدعي رسالة الله تعالى فصرت بعد ذلك نجارا، وكان يصنعها في موضع بعيد عن الماء جدا. وكانوا يقولون: ليس هاهنا ماء ولا يمكنك نقلها إلى الأنهار العظيمة وإلى البحار فكانوا يعدون ذلك من باب السفه والجنون قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) اليوم منا.
أي إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنع فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر والتعرض لسخط الله وعذابه فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ أي فسوف تعلمون أينا يأتيه عذاب في الدنيا، ويهينه وهو عذاب الغرق من هو أحق بالسخرية ومن هو أحمد عاقبة وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) أي وأينا ينزل عليه عذاب النار الدائم في الآخرة حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا أي عذابنا الموعود به وَفارَ التَّنُّورُ أي نبع الماء من تنور الخبز وارتفع بشدة كما تفور القدر بغليانها.
روي أنه قيل لنوح عليه السلام: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب ومن معك في السفينة، فلما نبع الماء أخبرته امرأته فركب وقيل: كان التنور لآدم وكانت حواء تقمر فيه فصار إلى نوح وكان من حجارة وهو في الكوفة على يمين الداخل مما يلي باب كندة في المسجد قُلْنَا احْمِلْ فِيها أي السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ.
وقرأ حفص «من كل» بالتنوين أي من كل شيء زوجين اثنين كل منهما زوج للآخر.
على قراءة غيره إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بأنه من المغرقين بسبب ظلمهم في قوله تعالى: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا [هود: ٣٧] الآية. والمراد به: ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين فحمل في السفينة زوجته المؤمنة وأولادها الثلاثة مع نسائهم سام وحام ويافث. فسام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك. وَمَنْ آمَنَ عطف على زوجين أو على اثنين أي واحمل من آمن من غير أهلك وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠).
وعن ابن عباس قال: كان في سفينة نوح ثمانون. إنسانا نصفهم رجال ونصفهم نساء.
وقال مقاتل: في ناحية الموصل قرية يقال لها: قرية الثمانين سميت بذلك لأن هؤلاء لما خرجوا من السفينة بنوها فسميت بهذا الاسم
وَقالَ أي نوح عليه الصلاة والسلام لمن معه من المؤمنين ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ أي اركبوا في السفينة ذاكرين اسم الله مَجْراها وَمُرْساها أي

صفحة رقم 507

وقت جريها وإرسائها قيل: كان نوح عليه السلام إذا أراد أن يجريها يقول: بسم الله فتجري وإذا أراد أن يرسيها يقول بسم الله فترسو إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) أي لولا مغفرته تعالى ورحمته إياكم لما نجاكم لأنكم لا تنفكون عن أنواع الزلات وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ في عظمه وارتفاعه وذلك يدل على وجود الرياح الشديدة في ذلك الوقت.
قال علماء السير: أرسل الله تعالى المطر أربعين يوما وليلة وخرج الماء من الأرض وارتفع الماء على أعلا جبل وأطوله أربعون ذراعا حتى أغرق كل شيء وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان قبل سير السفينة وَكانَ فِي مَعْزِلٍ أي في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وإخوته وقومه بحيث لم يتناوله الخطاب باركبوا يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا في السفينة وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) أي في المكان وهو وجه الأرض خارج السفينة لا في الدين لأن نوحا عليه السلام يحذر ابنه عن الهلكة لا ينهى عن الكفر في ذلك الوقت قالَ سَآوِي أي ألتجئ إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ لارتفاعه قالَ أي نوح: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي عذابه إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي إلا الله الراحم والتقدير لا فرار من الله إلا إلى الله. وهذا تأويل في غاية الحسن. وقيل: لا مكان يعصم من عذاب الله إلا مكان من رحمة الله وهو السفينة. وقيل: لا ذا عصمة إلا من رحمه الله وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ أي حال الموج بين نوح وابنه كنعان فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) أي فصار كنعان من المهلكين بالطوفان وَقِيلَ أي قال الله يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ أي أنشفي ما على وجهك من ماء الطوفان وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أي أمسكي عن إرسال المطر وَغِيضَ الْماءُ أي ونقص ما بين السماء والأرض من الماء وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي أتم الأمر من هلاك قوم نوح وَاسْتَوَتْ أي استقرت الفلك عَلَى الْجُودِيِّ أي على جبل بالجزيرة قريب من الموصل يقال له: الجودي وكان ذلك الجبل منخفضا.
روي أنه عليه السلام ركب في الفلك في عاشر رجب، ومرت بالبيت الحرام فطافت به سبعا ونزل عن الفلك عاشر المحرم فصام ذلك اليوم وأمر من معه بصيامه شكر الله تعالى، وبنوا قرية بقرب ذلك الجبل فسموها قرية الثمانين فهي أول قرية عمّرت على الأرض بعد الطوفان وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) أي قال نوح وأصحابه بعدوا بعدا من رحمة الله للقوم المشركين بحيث لا يرجى عودهم وهذا الكلام جار مجرى الدعاء عليهم، لأن الغالب ممن يسلم من الأمر الهائل بسبب اجتماع قوم من الظلمة فإذا هلكوا ونجا منهم قال مثل هذا الكلام وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي كنعان مِنْ أَهْلِي وقد وعدتني إنجاءهم في ضمن قولك واحمل أهلك وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ أي إن كل وعد تعده لا يتطرق إليه خلف وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) أي لأنك أعدل الحاكمين وهذا دعاء سيدنا نوح عليه السلام في غاية التلطف وهو مثل دعاء سيدنا أيوب عليه

صفحة رقم 508
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية