
والعذاب المخزي: هو الغرق، والمقيم: هو عذاب الآخرة، و «الأمر» : وَاحدُ الأمور، ويحتملُ أنْ يكون مصدر «أمَرَ»، فمعناه: أَمْرُنَا للمَاءِ بالفَوَرَانِ، وَفارَ معناه: انبعث بقُوَّة، واختلف النَّاس في التَّنُّور، والذي عليه الأكثَرُ، منهم ابنُ عباس وغيره: أنه هو تَنُّور الخُبْز الذي يُوقَدُ فيه «١»، وقالوا: كانَتْ هذه أمارَةً، جعلها اللَّه لنُوحٍ، أي: إِذا فار التنُّور، فاركب في السفينة.
وقوله سبحانه: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ... الآية، الزَّوْج: يقال في مشهورِ كلامِ العرب: للواحد مما له ازدواجٌ، فيقال: هذا زَوْجُ/ هذا، وهما زَوْجَان، والزوج أيضاً في كلام العرب: النَّوْع، وقوله:
وَأَهْلَكَ: عطْفٌ علَى ما عَمِلَ فيه احْمِلْ والأهل، هنا: القرابةُ، وبشَرْط مَنْ آمن منهم، خُصِّصُوا تشريفاً، ثم ذكر مَنْ آمَنَ، وليس من الأهْل، واختلف في الذي سبق عليه القوْلُ بالعَذَابِ، فقيل: ابنُهُ يَام، أوْ كنعان، وقيل: امرأته وَالِعَةُ- بالعين المهملة-، وقيل: هو عمومٌ فيمن لم يؤمن مِنْ أهْل نوحٍ، ثم قال سبحانه إِخباراً عن حالهم: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤١ الى ٤٣]
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لاَ عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)
وقوله تعالى: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها: أي: وقال نوحٌ لمن معه: اركبوا فيها، وقوله:
بِسْمِ اللَّهِ يصحُّ أنْ يكون في موضع الحال في ضمير ارْكَبُوا، أي: اركبوا متبرِّكين باسم اللَّه، أو قائلين: باسم اللَّه، ويجوزُ أن يكون: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها جملةً ثانيةً من مبتدإٍ وخبرٍ، لا تعلُّق لها بالأولَى كأنه أمرهم أولاً بالركوب، ثم أخبر أن مجراها ومرساها باسم اللَّه. قال الضَّحَّاك: كان نوحٌ إِذا أراد جَرْيَ السفينة، جَرَتْ، وإِذا أَراد وقوفَها، قال: باسم اللَّه، فتقف «٢»، وقرأ الجمهور «٣» بضم الميم من «مجراها ومرساها»
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٤٥) برقم: (١٨٢٠١)، وذكره ابن عطية (٣/ ١٧٢)، والبغوي في «تفسيره» (٢/ ٣٨٥) برقم: (٤١).
(٣) وحجة من فتح الميم قوله سبحانه بعدها: «وهي تجري بهم في موج كالجبال»، ولم يقل: تجرى.

على معنى إِجرائها وإِرسائها، وقر الأَخَوَان حَمْزَةُ والكِسَائيُّ وحفصٌ بفتح ميمٌ «مَجْريهَا» وكسر الراء، وكلُّهم ضمَّ الميم في «مُرْسَاهَا».
ت: قوله: «وكسر الراء» : يريد إِمالتها، وفي كلامِهِ تسامُحٌ، ولفظُ البخاريِّ:
مُجْرَاها: مَسِيرُها، ومُرْسَاها: مَوْقِفُها، وهو مصدرُ: أُجْرَيْتُ وأَرْسَيْتُ. انتهى.
قال النوويُّ: ورُوِّيَنا في «كتاب ابن السُّنِّيِّ» بسنده، عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّهُ قَالَ: «أَمَانٌ لأُمَّتي مِنَ الغَرَقِ، إِذَا رَكِبُوا أَنْ يَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ... الآية [الأنعام: ٩١] » «١»، هكذا هو في النُّسَخ: «إِذَا رَكِبُوا»، ولم يقلْ: «في السفينة» انتهى.
وقوله: وَكانَ فِي مَعْزِلٍ أي: في ناحيةٍ، أي: في بُعْدٍ عن السفينة، أوْ عن الدِّين، واللفظ يعمُّهما.
وقوله: وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ: يحتمل أنْ يكون نهياً محضاً مع علمه بأَنَّه كافرٌ، ويحتمل أنْ يكون خَفِيَ عليه كُفْره والأول أبْيَنُ.
وقوله: لاَ عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ: الظاهر أنّ لا عاصِمَ اسم
ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٧٣)، و «البحر المحيط» (٥/ ٢٢٥)، و «الدر المصون» (٤/ ٩٩)، و «السبعة» (٣٣٣)، و «الحجة» (٤/ ٣٢٩)، و «إعراب القراءات» (١/ ٢٨١)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٣٦٣)، و «العنوان» (١٠٧)، و «شرح شعلة» (٤٢٧)، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢/ ١٢٥). [.....]
(١) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٥٠١) من حديث الحسين بن علي.
وفي سنده جبارة بن المغلس، ويحيى بن العلاء، ومروان بن سالم، والأول: ضعيف، والثاني والثالث: متهمان بالوضع.
وأخرجه أبو يعلى (١٢/ ١٥٢) رقم: (٦٧٨١) : حدثنا جبارة، ثنا يحيى بن العلاء، عن مروان بن سالم، عن طلحة بن عبيد الله، عن الحسين بن علي به.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ١٣٥) وقال: رواه أبو يعلى عن شيخه جبارة بن المغلس، وهو ضعيف اه. وذكره الحافظ في «المطالب العالية» (٣/ ٢٣٧) رقم: (٣٣٦٥)، وعزاه لأبي يعلى، وقال:
فيه ضعف.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٦٠٢)، وزاد نسبته إلى الطبراني، وابن عدي، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس بلفظ حديث الحسين بن علي، ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٦٠٢- ٦٠٣)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه.